أيوب مرشيش.. رحلة نجاح شاب مغربي من البادية لعالم المال والأعمال
للوهلة الأولى يبدو كطالب جامعي، أو في أحسن الحالات مُتدرب أو موظف جديد في هذه الشركة، بنظارته الدائرية، وشعره المُجعد القصير، وقوامه النحيف، يتحرك أيوب مرشيش برشاقة من قاعة لأخرى، وبين فريق وآخر.
عُمره الذي لا يتجاوز الواحد والعشرين عاماً، وتخليه عن الكثير من البيروقراطيات المُعتادة في الشركات، لا يوحيان بتاتاً أنه المدير العام لواحدة من أكبر الشركات الرقمية في المغرب.
بدوي ابن بدوي
"ولدت في قرية لم تعرف الكهرباء، ولا الربط بالماء الصالح للشرب، فكيف سأعرف الإنترنت وعالم الخدمات الرقمية؟ كان ذلك أشبه بمسلسل للخيال العلمي آنذاك"، يحكي أيوب مرشيش لـ"العين الإخبارية" عن طفولته بابتسامة عريضة.
صمت قليلاً بينما كان يُراجع إحصائيات إحدى الحملات الدعائية الرقمية، ثم عاد بنا إلى بدايات القرن الجاري، حيث رأى النور في قرية صغيرة جداً، وتحديدا داخل منزل قزديري يُسميه المغاربة "براكة".
يقول: "لم يكن بمنزلنا صنابير مياه، ولا حتى شبكة الكهرباء، وحين كُنا نريد مُشاهدة التلفاز، كان والدي يُحضر بطارية الجرار، ويصلها بالشاشة الصغيرة التي نتحلق عليها جميعا".
"هُناك رأيت النور، من أب فلاح ثروته قوت يومه، وإن مرض في اليوم الذي يليه، ما كان ليجد ما يُطعمنا به، أما الوالدة فهي ربة بيت لم يسبق لها أن ولجت المدرسة قط، لكنها كانت أستاذة قديرة في مدرسة الحياة"، يحكي أيوب عن أسرته.
يفتح صورة قديمة في حاسوبه، يظهر فيها وهو طفل صغير إلى جانب بقرة حلوب، ليُشير بإصبعه إلى البقرة قائلاً: "لهذه البقرة قصة عجيبة، تخيل، من حليبها وأبنائها كان والدي يُغطي جُل مصاريفنا".
بعد سنوات قليلة من طفولته، انتقل "أيوب" رفقة أسرته لمجمع سكني يجتمع فيه القروي بالحضري، وتغيب عنه الكثير من رفاهيات العيش، فحتى محلات البقالة، كانت معدودة على رؤوس الأصابع آنذاك.
وفي منطقة "سيدي زعير" ضواحي العاصمة الرباط، وهي منطقة فلاحية، كبر "أيوب" وترعرع ودرس أسلاك تعليمه جميعها، قبل أن يحصل على شهادة الثانوية العامة بميزة مُستحسن، وهي ميزة تُمكن صاحبها من ولوج أكبر الجامعات والتخصصات، إلا أنه كان له رأي آخر.
"إلى حدود الساعة لا أعرف أين وضعت تلك الشهادة"، يقول "أيوب" والقهقهة تغلب على كلامه، ليُضيف: "مساري كُنت قد رسمته سابقاً، قبل سنوات عديدة، واتخذت قراري، هو أن أكون مديراً للحملات الدعائية والاستراتيجيات الرقمية، وهو التخصص الذي لم يكن آنذاك يُدرس في المغرب، ولم أكن أملك الإمكانيات للسفر خارج البلاد، لكنني اليوم أفكر جدياً بالعودة إلى مقاعد الدراسة لاستكمال مساري الأكاديمي".
عالم من خيال
كان الحاسوب بالنسبة لي جهازاً خيالياً قادماً من عالم الـ"ماورائيات"، إذ كانت أول مرة ألمسه فيها عام 2007، حينما زرت منزل زميل لي في المدرسة، كان أهله ميسوري الحال، حينها اكتشفت لأول مرة وجود شيء اسمه "حاسوب".
يتفقد "أيوب" حاسوبه المتواجد أمامه فوق المكتب، ينظر إليه ملياً، ثم ليردف "أتعلم أن أول حاسوب اشتريته كان عام 2011، كان بدائياً جداً"، إلا أن يقظتي الاقتصادية، إن صح القول، لم تكن سوى عام 2014، حينها تيقنت أن هناك شيء اسمه العمل على الإنترنت، لكنني لم أجد له سبيلاً.
شرع "أيوب" في التسجيل على مجموعة من المواقع التي تقدم الخدمات الرقمية المُصغرة، وبعد نصف سنة من العمل والجهد، كان هذا اليافع على موعد أول 20 دولارا يحصل عليها من العمل عبر الإنترنت.
مبلغ وإن كان صغيراً، إلا أنه شكل حينها جزاء غير مسبوق لـ"أيوب"، لكن الأهم أنه تيقن من حقيقة العمل عبر الإنترنت، ليدخل عام 2018 عالم البيع عبر الشبكة العنكبوتية، عبر علامة خاصة لمنتجات العناية والتجميل.
مسيرة أربع سنوات، كونت لدى "أيوب" خبرة لابأس بها في إدارة الحملات الدعائية على مواقع التواصل الاجتماعي، زادتها مجموعة من التكوينات التي حصل عليها على الإنترنت، قبل أن يُقرر إضافة نشاط آخر، إلى جانب التجارة الإلكترونية، والمتمثل في إعداد الاستراتيجيات الرقمية، وصناعة الـ Branding للمشاهير.
خُطوة جديدة
"كان الأمر أشبه بصدفة، كُنت أشاهد عام 2018 بثاً مُباشراً للمغني المغربي فريد غنام، والذي كان حسابه آنذاك يجد إقبالاً جيداً لكنه محدود بالنسبة لما يمكن أن يصل إليه إذا اعتمد بعض الاستراتيجيات البسيطة" يقول "أيوب".
أول خُطوة في عالم تدبير الدعاية الرقمية للفنانين والمشاهير كان أساسه الثقة في النفس وطرق الأبواب بالنسبة لهذا الشاب الذي لم يتجاوز عمره آنذاك العشرين سنة.
يقول إنه بعث رسالة بسيطة لفريد غنام على صفحته بـ"فيسبوك"، يقترح عليه مساعدته في توسيع جمهور صفحته، ليكون رده بالإيجاب، ومع تلك الرسالة دشن الشاب صفحة جديدة في مساره المهني.
"لم يكن لدي أي مكتب، زارني فريد غنام في المنطقة القروية التي أقطن فيها، وجلسنا في أحد المحلات القريبة لمناقشة تفاصيل الخدمات، وفعلاً كانت النتيجة رائعة، وفتحت العديد من الأبواب، والآن أنا أتعامل مع عشرات الفنانين"، يوضح "أيوب" مبتسما.
وأضاف الآن بعد كُل هذا الوقت، أملك شركتين، الأولى متخصصة في إعداد الاستراتيجيات الرقمية للأفراد والشركات والمنظمات، والثانية متخصصة في إعداد وتنفيذ الحملات الدعائية الرقمية، نتعامل فيها مع زبائن من المغرب وخارجه.
وكشف "أيوب"، أنه من 20 دولارا حصل عليها بعد ستة أشهر من العمل المتواصل، قبل 7 سنوات، صارت شركتاه تحققان رقم معاملات شهرية يتجاوز المليون دولار، لينتقل أيضاً من منزل قزديري في قرية لا تتوفر حتى على الكهرباء، إلى شقة فسيحة، وقريبة إلى فيلا راقية.
ويُرجع "أيوب" نجاحه المهني، إلى مسألتين أساسيتين، الأولى تتمثل في تحديد هدف واضح المعالم، والثانية هي العمل عليه بجد واجتهاد ليل نهار إلى أن يتحقق كاملاً.
aXA6IDE4LjE5MS45Ny4xMzMg جزيرة ام اند امز