إشارات متباينة حملتها قمة العشرين المنعقدة في إندونيسيا، لكن كفة ما هو إيجابي أثقل من تلك الومضات السلبية.
فتجمع دول العالم صاحبة الاقتصاديات الأكبر، بحضور روسي بارز، لأول مرة منذ بداية الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، نقطة إيجابية في حد ذاتها، ويمكن التعويل عليها، وفق مراقبين.
هذه الخطوة الإيجابية تزامنت مع سلسلة من الأحداث الأخرى الإيجابية أيضا، مثل قمة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والصيني، شي جين بينج، الإثنين، والتي شهدت ميلاً للتوافق بين القوتين الكبيرتين.
وبعد القمة، عبر الزعيمان عن الأمل في أن تتمكن القوتان من إدارة الخلافات المتزايدة بينهما، واتفقا على أنه لا ينبغي استخدام الأسلحة النووية إطلاقا بما يشمل في أوكرانيا.
ووفق البيت الأبيض، فإن الرئيس الأمريكي أبلغ نظيره الصيني ضرورة إدارة البلدين المنافسة بينهما والحفاظ على قنوات للاتصال، مشيرًا إلى أن المنافسة بين البلدين لا يجب أن تنزلق إلى صراع.
إيجابيات قمة العشرين لم تتوقف فقط عند التجمع الضخم، وقمة بايدن وشي، بل امتدت أيضا إلى إجراء المستشار الألماني أولاف شولتز، الثلاثاء، محادثات عرضية لكنها استغرقت وقتا طويلا مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.
ورغم رفض شولتز توضيح ما جرى خلال حديثه مع لافروف، إلا أن هذه المحادثة هي الأول من نوعها بين المستشار ومسؤول روسي منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وعلى بعد آلاف الأميال من مقر انعقاد قمة العشرين في بالي، كانت أنقرة على موعد مع تدشين مسار مواز ومبشر للغاية في إطار التوتر الحالي بين الغرب وروسيا.
إذ عقد مدير المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين عقد اجتماعا، أمس الاثنين، مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وليام بيرنز في أنقرة.
وقال مسؤول البيت الأبيض "كنا منفتحين للغاية بشأن حقيقة أن لدينا قنوات للتواصل مع روسيا بخصوص إدارة المخاطر، لا سيما المخاطر النووية والمخاطر على الاستقرار الاستراتيجي"، مضيفا أنه تم إطلاع أوكرانيا على الرحلة مسبقا.
ووردت أنباء الشهر الحالي عن انخراط مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في محادثات سرية مع مسؤولين روس كبار بهدف تقليل مخاطر اندلاع حرب أوسع على أوكرانيا.
ورغم نفي مسؤول بالبيت الأبيض مناقشة أي تسوية للحرب أو أي مفاوضات في الاجتماعات، إلا أن فتح قنوات التواصل بين موسكو وواشنطن يمكن أن يحرك بعض المياه في مفاوضات تسوية الأزمة الأوكرانية المجمدة.
وفي قمة العشرين، لم يخرج بيانا يدين روسيا بشكل كامل كما كانت دولا غربية تريد، بل نصت المسودة التي نشرت رويترز مقتطفات منها، بلغة عامة، على أن "معظم الأعضاء أدانوا بشدة الحرب في أوكرانيا وشددوا على أنها تسبب معاناة إنسانية هائلة وتؤدي إلى تفاقم الهشاشة القائمة في الاقتصاد العالمي".
بل حدثت مفاوضات بين الأطراف المختلفة بما فيها روسيا والصين، لصياغة البيان بهذه الطريقة العامة التي لا تحمل إدانة لموسكو بشكل مباشر، ما يعد تطورا إيجابيا.
ووفق صحيفة "فايننشال تايمز"البريطانية، فإن "الوفد الهندي لعب دورًا كبيرًا في تحقيق توافق بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين حول الصياغة التي تنتقد الحرب في أوكرانيا".
القمة تضمنت أيضا صرخات من أجل التكاتف لمواجهة التحديات المشتركة، إذ قال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو: "ليس لدينا خيار آخر، والتعاون مطلوب لإنقاذ العالم".
يوم الدبلوماسية الجادة
وتعليقا على التحركات الدولية خلال اليومين الماضيين، قال كارل بيلدت، رئيس المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية "بحثي"، على "تويتر"، "يوم الدبلوماسية الجادة اجتمع الرئيسان الصيني والأمريكي في بالي ، وجلس رئيسا استخبارات الولايات المتحدة وروسيا في أنقرة.. لا يحدث أي من هذه الاجتماعات في كثير من الأحيان".
وعن قمة الرئيسين الصيني والأمريكي، رأى بيلدت أن الاجتماع نجح في رفع التجميد الذي كان مفروضا منذ زيارة ناسي بيلوسي لتايوان، على الحوار بين البلدين في ملفات مختلفة، مضيفا "هذه إشارة إيجابية في حد ذاتها".
وتأتي هذه النظرة الإيجابية، بعد أيام من تصريحات للجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، إذ قال إن نصر أوكرانيا قد لا يتحقق عسكريا، وأن الشتاء قد يوفر فرصة لبدء مفاوضات مع روسيا.
تزامنت تصريحات ميلي مع نشر صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريرا يستند لمصادر دبلوماسية، ويفيد بأن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، نصح كييف، بالبدء في التفكير في المتطلبات الواقعية للمفاوضات مع أوكرانيا، بما في ذلك مراجعة هدف أوكرانيا المعلن المتمثل في عودة شبه جزيرة القرم.
ورغم هذه التطورات الإيجابية خلال قمة العشرين وعلى هامشها، وقبلها وما يرتبط بها من احتمالية فتح صفحة جديدة من التهدئة، وفق مراقبين، إلا أنه لا تزال هناك اتهامات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا، ظهرت في تصريحات لافروف والرئيس الأوكراني في القمة، عن تعطيل المفاوضات.
كما أن القصف التي تعرضت له مدن أوكرانية بالصواريخ، مساء الثلاثاء، بالتزامن مع قمة العشرين، دفع البعض للحديث عن تصعيد محتمل، متجاهلين التطورات الإيجابية الأخيرة، وقرب فصل الشتاء وما يرتبط به من توقف للقتال.