اتفاق نووي جديد مع إيران أو عودة إلى اتفاق 2015، لن يكون نصرا للدبلوماسية ما لم يتضمن تعهدات إيرانية واضحة بالكف عن سياسات زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وإيران ترفض أي التزام بذلك، لأن مشروعها في المنطقة سوف يتعرض للانهيار، ولأن دولة "تصدير الثورة" والإرهاب لن تعود هي نفسها.
المفاوضات المقبلة في فيينا يمكن أن تكون مجرد مفاوضات حول التنفيذ المتبادل لاتفاق سيئ، خوفا مما هو أسوأ. ولكن الأسوأ بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل ليس هو نفسه الأسوأ بالنسبة لدول المنطقة. وهو ما سوف يضع الجميع أمام مفاضلة ليس فيها رابح إلا إيران. وما من سبيل لمعرفة من أين يأتي الافتراض بأن التقدم في محادثات فيينا سوف يقدم انتصارا من أي نوع.
عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق عام 2015 تعني بمنتهى البساطة إعادة تمويل إيران بمئات المليارات من الدولارات. وهو ما يعني بدوره تغذية حرسها الثوري ومليشياتها في المنطقة ويشجعها على المزيد من أعمال العدوان.
كما أن هذه العودة، وفقا للضمانات التي تطلبها طهران، يفترض أن تتضمن امتناع واشنطن عن فرض عقوبات جديدة طالما بقيت إيران تلتزم جانبها من الاتفاق النووي. وفي ذلك ما يكفي لتقييد يد الإدارة الأمريكية عن ممارسة أي ضغوط مستقبلية على إيران.
ومن الناحية العملية، فإن ذلك يعني كف يد إيران اليسرى عن تهديد، لكي تُطلق يدها اليمنى في تهديد آخر.
القول إن إيران تريد أن تعالج القضايا الإقليمية مع دول المنطقة، على نحو مستقل، ثبت بالتجربة أنه قول باطل، فإيران لم تكف يد مليشياتها في اليمن عن مواصلة الاعتداءات على المملكة العربية السعودية حتى بعد إعلانها وقف إطلاق النار. وفي الواقع، فإن تلك الاعتداءات زادت، في مؤشرٍ على طبيعة النيات الإيرانية الخبيثة.
وتنطلق إيران من افتراض ساذج هو أنها تستطيع، بسياسات التهديد، أن تكسب تنازلات. في حين أن دول المنطقة ليس لديها مطالب تتعدى احترام قيم العلاقات بين الدول، تلك التي يفترض أن تلتزم بها إيران طواعية بموجب قبولها ميثاق الأمم المتحدة. وهذه القيم إذا كانت تشمل الامتناع عن سياسات التهديد والعدوان ودعم الإرهاب، فإنها لا تحتاج إلى مفاوضات أصلا، لأنها التزامات مسبقة لكل دولة طبيعية في العالم. أما وأن إيران تتصرف كدولة غير طبيعية، فهذا ما يجعل منها خطرا دائما، بمفاوضات أم دونها.
العالم ليس أعمى إلى تلك الدرجة بحيث لا يرى ما تعنيه تصرفات إيران. وهو ليس أعمى بحيث لا يرى أن أي اتفاق مع نظام يمارس أعمال الإرهاب داخل وخارج بلاده، لا يوفر أي ضمانات بالاستقرار ولا حتى بالمحافظة على أي مصالح.
السنوات الثلاث بين عام 2015، حيث تم توقيع الاتفاق النووي، وبين عام 2018 عندما خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق، تكفي للإشارة إلى ما يمكن أن يحدث في المستقبل إذا عادت الأوضاع إلى مربع عام 2015. ففي تلك السنوات، حوّلت إيران نفوذها في العراق إلى احتلال شبه تام، وإلى فرصة لمختلف أعمال النهب والفساد، واندفعت لتكرر التجربة المليشياوية في سوريا، وحوّلت "حزب الله" في لبنان إلى قوة عسكرية تمتلك عشرات الآلاف من مختلف أنواع الصواريخ والأسلحة الأخرى.
وفي الواقع، بينما كانت المفاوضات السرية تجري للتوصل إلى الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في أبريل 2015، فقد كانت إيران هي التي تقف وراء انقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في صنعاء في سبتمبر 2014.
في ذلك الوقت، كان يجب للمفاوضات أن تتوقف. إلا أن إدارة الرئيس باراك أوباما، التي سمحت لإيران بالتمدد في العراق وسوريا ولبنان، ما كان ليعنيها بأي شيء أن تتمدد إيران في اليمن أيضا.
تلك السنوات الثلاث، كانت جحيما حقيقيا بالنسبة لهذه البلدان.
سواء تحقق "تقدم" في محادثات فيينا أو لم يتحقق، فليس مطلوبا من قوى العالم العظمى إلا الدعوة لعقد مؤتمر دولي يخرج بخلاصة بسيطة واحدة تضع إيران بين خيارين: إما الكف عن سياسات التهديد والعدوان ونشر الإرهاب عن طريق مليشيات، أو مواجهة العزلة من جديد، بما في ذلك الطرد من عضوية الأمم المتحدة، احتراما لميثاقها على الأقل.
مؤتمر كهذا لا علاقة له بالاتفاق النووي ولا بالمخاوف مما هو أسوأ، ولكن له علاقة بضبط سلوك عدواني لدولة عدوانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة