يُقاس نجاح أي مؤتمر في العالم بالنتائج والثمار، التي يقطفها بعد انتهائه.
ضمن هذا المقياس يمكن القول إن بغداد تسعى إلى تحقيق إنجازات من خلال هذا المؤتمر الاستثنائي، الذي انعقد في ظروف معقدة.
ربما أول نجاح يُسجّل للعراق، هو جمعه دولا تسودها تناقضات المواقف على منصة واحدة، إلا أن جوهر المؤتمر كان يهدف إلى تسوية خلافات البلد المُضيف.
فقد أوضح البيان الختامي للمؤتمر أنه حقق التعاون والشراكة لدعم العراق.
إن معظم الدول، التي شاركت في المؤتمر، تسعى إلى استقرار المنطقة وأمنها، مما يدرّ فوائد على الجميع في المجالات كلها.
سؤالان يُطرحان بإلحاح: أولهما، هل وجد المؤتمِرون الأرضية المشتركة مع المحيطَين الإقليمي والدولي من أجل شراكات سياسية واقتصادية وأمنية مع العراق؟
ثانيًا، هل ستقدم الدول المشاركة دعمها للعراق عبر الاستثمارات في ظل الهيمنة الإيرانية عليه؟
لا شك أنّ العراق لا يستطيع أن يتحدث عن استثمارات عربيّة وأجنبيّة دون ضمانات أمنية لعمل الشركات العالمية، التي تبحث عن أجواء أمن واستقرار.
لذلك يسعى رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، إلى تقليل تحكُّم المليشيات والأحزاب الدينية، بل يريد أن يتجاوزها، ولو بصعوبة، في جميع القرارات، وهو ليس بالأمر السهل.
يطمح العراق إلى أن يصبح لاعبًا إقليميًا، ولن يتم له ذلك ما لم يتخلص من تبعات الماضي، التي تثقل كاهله، لأن المصداقية أولا وأخيرًا هي أساس المؤتمر وجوهره، والدول المشاركة تهدف إلى الاطمئنان لوعود وفيّة في هذا المجال.
إن الهدف الأساسي من المؤتمر، كما أدرك المشاركون، هو ترتيب البيت العراقي، الذي يعاني في مجالات شتى، وذلك لا يتم إلا بعودة العراق إلى محيطه العربي بالدرجة الأولى، لكنّ هناك عاملين أساسيين يلعبان دورًا مركزيًا في هذا، هما الانتخابات العراقية المقبلة، ونيّة الانسحاب العسكري الأمريكي من الشرق الأوسط.
هذان العاملان سيؤثران على التوازنات الداخلية بالعراق والصراع من أجل النجاح.
من هنا تأتي صعوبة التنبؤ باحتمالات نجاح مؤتمر بغداد أو فشله، لأن الأمر بحاجة إلى شروط صحية أكثر أفقًا وأكبر دلالة.
هناك أزمات مثل التظاهرات الاحتجاجية، التي تلتهب في نفوس العراقيين في الخفاء، ومشكلة المهجّرين في الخيام، إضافة إلى مشكلة الكهرباء، والطائفية والأحزاب الدينية، وغيرها من شأنها أن تسد الآفاق في إيجاد الحل الحاسم.
رغم ذلك، يحاول العراق بقوى مختلفة، وحسب رؤاها وتوجهاتها، أن ينجو بنفسه بعيدًا عن التدخلات الخارجية والإقليمية.
هذا شرط أساسي من شروط نجاح قمة بغداد لإيجاد الحلول اللازمة لأزمات العراق الأمنية والسياسية.
إن قادة الدول المشاركة وممثليها أكدوا هذه النقطة الجوهرية، أي "استعادة سيادة العراق" بروح دبلوماسية بعيدًا عن صراع القوى وتحالفاتها غير المُجدية في الظروف الحالية.
ليس أمام العراق سوى طريق واحد، وهو تطبيق المبادئ، التي نصّت عليها "قمة بغداد للتعاون والشراكة"، نحو استراتيجية شراكة أمنية وسياسية واقتصادية مع الدول، التي دُعيت إلى المؤتمر، على جميع الأصعدة.
ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بترسيخ الهوية الوطنية العراقية والتخلص من قوى المليشيات واستعادة هيبة الدولة العراقية وسيادتها، وذلك يرتبط بالانفتاح على محيطه العربي واستعادة دوره الإقليمي والعالمي.
لدينا هنا مسألة أولى تتركز في تجاوز الدول المدعوة خلافاتِها من أجل إنجاح المؤتمر وإيجاد الحلول للأزمات العراقية الحالية، ومسألة ثانية تتعلق بسؤال: هل تتمكن فرنسا من استعادة نفوذها في العراق؟
العراق يعاني مشكلاتٍ شتى، ولكن بإمكانه أن يستعيد عافيته لو عاد إلى ترسيخ هويته الوطنية والانفتاح على محيطه العربي وبناء أركان الدولة المدنية وسلطة القانون.
وسط هذه الظروف المعقدة، يبقى سؤالان: هل تبدأ عملية استعادة أمن الشرق الأوسط انطلاقًا من بغداد؟ وهل تصبح قمة بغداد نقطة تحوّل جوهرية في هذا؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة