"ملك" تمارس "باليه الفراشة" في محطات المترو المصرية
فن الباليه في مصر بدأ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي حينما تأسست فرقة باليه القاهرة من قبل الحكومة في عام 1958.
قبل بضعة أيام كانت "ملك" تستعد للخروج من بيتها، حيث جمّعت أدواتها في إحدى حقائبها السوداء، وارتدت زيها الرياضي للانطلاق في رحلة إلى شوارع القاهرة، لممارسة فن "باليه الفراشة"، وبصحبتها كان المصور المصري علي أشرف الذي التقط لها عدة صور انتشرت بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي.
صور ملك وهي تمارس رياضتها المفضلة في محطة مترو العتبة واسعة الحضور الجماهيري، وعلى الكورنيش وكوبري قصر النيل، وغيرها من الأماكن المميزة؛ لاقت انتقاداً لاذعاً من بعض الجمهور المصري الذين اعتبروه بمثابة خروج عن المألوف، فيما رأته شريحة أخرى بأنه ثقة كبرى وانطلاق نحو كسر القيود عن المرأة، فطالما تلعب وتستمتع دون إيذاء أحد فلم لا؟.
ويسلط هذا الجدل الضوء على فن الباليه وقيمته في مصر.
متى عرفت مصر فن الباليه؟
بدأ فن الباليه في مصر في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي حينما تأسست فرقة باليه القاهرة من قبل الحكومة في عام 1958 لتعزيز العلاقات مع حليفها الاتحاد السوفييتي.
وكان أول عرض بدار الأوبرا المصرية هو "نافورة بختشي سراي" بمشاركة 5 فتيات مصرية ، هن: ماجدة صالح، وديانا حكاك، ونادية حبيب، وعلياء عبدالرازق، وودود فيظي، بعد أن تدربن لمدة عام في الاتحاد السوفييتي .
عتبر ماجدة صالح أول راقصة للبالية في مصر، حيث كانت من ضمن الفريق الخماسي الذي قدّم عرض "النافورة" للجمهور قبل الـ52 عاماً غير أنها أول من قدّمت فقرتها وعرفها الجمهور حينذاك بصاحبة المبادرة لتقديم الفن، ولقبوها بـ"فراشة الباليه".
وتقول صالح في إحدى مقابلاتها، "كنت آخذ دروساً في الباليه وأنا أفكر أن معلمتي ترقص في البولشوي، وأنا أراقبها كان ينتابني شعور لم أكن قادرة على وصفه، حينها عرفت أنّ هذا ما أريد أن أفعله طيلة حياتي". قبيل هذا العرض بعشر سنوات تقريباً كانت بوادر تأسيس معهد الباليه قد وُضعت من قِبل وزير الثقافة المصري وقتها ثروت عكاشة الذي كان يرى أن الباليه فناً كلاسيكياً لابد أن يتلقاه ويستمتع به الجمهور المصري.
ما قام به الفريق الخماسي في أوبرا القاهرة، جعل الجميع يشيد بالفن الجديد على المجتمع المصري؛ لدرجة حضور الرئيس المصري جمال عبدالناصر حينها لأحد العروض، ومنح عضوات الفريق وسام الاستحقاق من الدولة، ثم تم نقل العروض إلى أسوان، ليصاب الجميع بالدهشة حول نقله إلى بلد السد العالي.
انطلق الفريق الخماسي يقدم العروض تلو الأخرى في أسوان ليعجب به الجمهور الجنوبي، حيث قالت ماجدة "كانت هناك محرّمات واعتراضات كثيرة على الرقص والراقصين، لكن المصريين يحبون الرقص والفرحة والحياة، انظروا إلى الأفراح المصرية ستجدون الرقص جزءاً أساسياً من حياتنا كبشر".
وعبّرت ماجدة عن تلك الفترة وإقامة العروض في أسوان، في أحد حواراتها السابقة "فوجئت برجل بسيط يرتدي جلابية دخل الكواليس ونظر إليّ، وعندما سألته عن سبب تواجده قال "يا سلام يا ستّ، أمّا دي حاجة جميلة" فحينها عرفت أن إحساس العرض وصل إلى هذا الرجل البسيط".
بعد احتراق دار الأوبرا في بداية السبعينيات تغيّر الوضع الثقافي المصري بشكل عام، ومعه سافر عدد من راقصات الباليه إلى روسيا للعثور على مكان آخر يقدمن فيه فنهن، بجانب دراسة الفنون والرقص التقليدي.
في بداية الثمانينيات عادت ماجدة لكي تغيّر وضع الباليه المصري الذي كان قد توقف وانطفأ بريقه بعد الحريق، ولكن هذه المرة عن طريق التدريس في المعهد العالي للباليه الذي كان قد تم الانتهاء منه بعد ما يقرب من 25 عاماً، قبل أن يتم طردها لأسباب غير معلنة.
في فترة التسعينيات والألفية الجديدة أراد الرئيس السابق حسني مبارك وحكوماته المتتابعة إحياء هذا الفن بشدة وتقديمه في دار الأوبرا، لكي يتم استعادة المجد الثقافي السابق للبلاد، وتم حينها بناء مجمع دار الأوبرا بدعم ياباني، ليتم تقديم الفن بين أروقته.
وكان لرئيس دار الأوبرا الراحل الدكتور عبدالمنعم كامل، والذي يعد من رواد فن الباليه في مصر دورا مهماً في إعادة شمل الفرقة مرة أخرى، التي أعاد بناءها في التسعينيات، واستعاد الراقصات الأجنبيات، بجانب التدريس للكثير من الراقصات الجدد حتى توفي عام 2013.
وقامت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبدالدايم باستعادة رونق فن الباليه رونقه وأقيمت عروض عالمية ومحلية في مختلف المحافظات المصرية، لكن لا تزال صور راقصات البالية مثار للجدل في الشارع المصري ما بين مؤيد للفن ورافض له.
aXA6IDE4LjE4OC4xMTkuNjcg جزيرة ام اند امز