بعد فتح أبوابها.. مصارف لبنان تجتاز "هجوم المودعين" بقيود غير رسمية
اجتازت المصارف اللبنانية اختبارا صعبا لمواجهة تسابق المواطنين على أبوابها لتنفيذ معاملاتهم التي تأخرت بسبب إغلاق دام أسبوعين
اجتازت المصارف اللبنانية اختبارا صعبا بعد أن عمدت إلى اتخاذ إجراءات غير رسمية بغرض فرض قيود على حركة الأموال، لمواجهة تسابق المواطنين على أبوابها منذ ساعات الصباح الأولى لتنفيذ معاملاتهم التي تأخرت بسبب إغلاق دام أسبوعين للبنوك على وقع الاحتجاجات الشعبية.
وبينما تحرك مخاوف شح الدولار بعض اللبنانيين جراء الشائعات حول الأمر، أصدرت عدة جهات رسائل طمأنة تؤكد استقرار الأمور، بالتوازي مع تأكيدات من خبراء اقتصاديين بأنه "لا داعي للهلع".
ويأتي توقيت فتح البنوك ضاغطا، إذ إنه يرافق بداية الشهر واستحقاق دفع الرواتب وتسديد الاستحقاقات الشهرية.
قيود غير رسمية
ورغم تعهد مصرف لبنان المركزي بعدم فرض قيود على حركة رؤوس الأموال حين تعيد البنوك فتح أبوابها، تبنت عدة مصارف بعض القيود كل وفق سياسته الخاصة.
وفيما تبقى القيود المفروضة على السحوبات اليومية مقبولة بالنسبة إلى أصحاب الودائع الصغيرة، يبرز تذمّر اللبنانيين من عدم قدرتهم على السحب وخاصة بالدولار عبر الصرافات الآلية حتى وإن كانت حساباتهم بالعملة الخضراء.
ويقول عدد كبير من المستائين نتيجة القيود إنهم يدفعون فواتيرهم والتزاماتهم بالدولار، وإن سحب المبالغ بالليرة يجبرهم على اللجوء لشركات صرافة تبيع الدولار بسعر 1700 ليرة وهو مستوى أكبر من السعر الرسمي.
القيود مؤقتة لمحاربة "الأوهام"
وقالت فيوليت بلعة الخبيرة الاقتصادية لـ"العين الإخبارية" إن الإجراءات والقيود التي اتخذتها المصارف اللبنانية "اختصت حركة الأموال الكبيرة من لبنان إلى الخارج أو من مصرف لآخر أو حتى تحويل الودائع من الليرة اللبنانية إلى الدولار".
وأوضحت: "بعض البنوك اتخذت قرارا بفرض سقف محدد لكل هذه المعاملات للحد من حركة تحويل الأموال منعا لحصول فوضى وتحويل الضغط على الليرة الذي لا يزال وهميا حتى الآن إلى ضغط حقيقي".
وتضيف: "عدم وضع سقوف في هذه المرحلة سيفضي إلى طلب كبير على الدولار، وبالتالي تعريض الليرة إلى ضغط مفاجئ مصطنع وليس طبيعيا".
وتابعت: "كما أن القيود تمنع تكبيد مصرف لبنان المزيد من الخسائر نتيجة ضخّ سيولة لتلبية الطلب، وهو ما سيرهق النقد الوطني ويحول دون القدرة على وقف الأزمة الناتجة أساسا عن الوضع السياسي القائم".
ولفتت الخبيرة الاقتصادية إلى أن العام الحالي شهد نزوح 5 مليارات دولار إلى الخارج، وتزايد الوتيرة يخلّ بميزان المدفوعات والاحتياطي لدى مصرف لبنان.
من هنا ترى بلعة أن القيود مهمة لمنع تأثيرها السلبي على المودعين أنفسهم، وعلى المجتمع ككل من خلال فتح الباب أمام المضاربات التي نشطت وتنشط في هذه الظروف.
وتابعت: "المضاربات ترفع سعر الدولار مقابل الليرة وتفقد العملة الوطنية قوتها الشرائية، وتنعكس على الأجور وأسعار السلع والنقل والكلفة التشغيلية لقطاعات الاقتصاد، وهو ما يعرض لبنان إلى الدخول في دوامة جديدة على غرار ما شهده في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات".
ورغم هذا الواقع، تشدد بلعة على أن عامل الخوف مؤقت ويرتبط بأداء السلطة التي عليها العمل على استعادة ثقة اللبنانية، وذلك عبر تشكيل حكومة ترضي الشعب اللبنانيين وتهدّئ الشارع لتعود الأمور إلى طبيعتها.
رسائل طمأنة
وبينما عمد محتجون صباح اليوم إلى اقتحام مبنى جمعية المصارف وأصدروا بيانا يطالب بتعميم التعامل النقدي في لبنان بالليرة، دعا رئيس جمعية المصارف سليم صفير إلى عدم الإصغاء للشائعات وتقصّي الحقائق من المصارف.
كما انتشرت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي وتبناها بعض الخبراء الاقتصاديين والمسؤولين، حملت عنوان "اسحبوا فقط اللي عايزينو" (اسحبوا فقط المبالغ التي تحتاجون إليها)، وذلك بهدف حماية الاقتصاد الوطني والتعاون في إدارة أزمة السيولة الحالية.
لا داعي للهلع
وبعد مرور ساعات النهار، أكدت مصادر مصرفية لـ"وكالة الأنباء المركزية" (وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية) أن "عمليات تحويل العملة من الليرة اللبنانية إلى الدولار كانت ضئيلة جداً مقارنةً بحجم العمليات المصرفيّة المسجّلة اليوم".
كذلك جزمت المصادر أن "لا تحويلات ودائع وأموال إلى الخارج، بل اقتصر الأمر على تحويلات لشركات بهدف تجاري بحت لشراء البضائع".
وأوضحت أن "سعر صرف الليرة مقابل الدولار، حُدّد اليوم بسعر السوق من دون أي إشكالية في المصارف"، مشيرة إلى أن "السعر الرسمي أقفل على 1512 ليرة، وتم التداول بالدولار طوال النهار ما بين المصارف، بـ1509 و53،1509 ليرة".
أما في سوق الصيرفة "فتراوح سعر الصرف بين 1590 و1700 ليرة"، مؤكدة أن "لا مخاوف على هذا الصعيد"، معتبرة أن "المصارف لو كانت خائفة من حدوث كل تلك الشائعات التي أُطلقت، لما كانت فتحت أبوابها اليوم وللساعة الخامسة عصراً".
بدوره أشاد صفير "بوعي الشعب اللبناني وتحليه بالمسؤولية"، وحيا المواطنين لإدراكهم المسؤولية الوطنية وضرورة الحفاظ على مصالح الناس"، مؤكدا أن "المصارف تتابع متطلبات وحاجات المواطنين ومستعدة لاتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على سير العمل بشكل طبيعي".