«البارون».. «أخطر» رجال بوتين يخرج من الظل لقيادة مفاوضات أوكرانيا

بابتسامة عريضة، خرج من الظلال الرجل الذي لطالما تحرّك من خلف الستار، ليظهر في لحظة نادرة أمام الكاميرات في قلب محادثات السلام بين موسكو وواشنطن.
إنه سيرغي بيسيدا، أو «البارون» كما تلقّبه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، الذي انتقل من دهاليز التجسس إلى طاولة المفاوضات، ممثلًا وجهًا جديدًا – لكنه مألوف في الكواليس – لسياسة بوتين الخارجية، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال».
رجل الصفقات المستحيلة، وأحد أكثر رجال الكرملين غموضًا وتأثيرًا، بات اليوم قناة الكرملين السرية العلنية، في ملف أوكرانيا التفاوضي، ما يكشف تحوّلًا استراتيجيًا في تكتيكات موسكو، إذ تحل الجاسوسية محل الدبلوماسية، في زمن تزداد فيه الخيوط تشابكًا، وتصبح فيه الابتسامة أداة ضغط، تمامًا كالسلاح.
فماذا نعرف عن البارون؟
فيما لا يُعرف عنه في الغرب سوى القليل، كشف تحقيق أجرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الكثير عن دوره المحوري في بعض أكثر المهام الروسية حساسية.
بدأ نجمه في الصعود قبل نحو 40 عاما: كضابط شاب في الثمانينيات، عمل بيسيدا في «القسم الأمريكي» التابع للمديرية الثانية لجهاز المخابرات السوفياتي (كي جي بي)، والذي كان مكلفا بمراقبة ضباط الاستخبارات الأمريكية في موسكو، وهو ما فتح خط اتصال سري مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
يعمل بيسيدا منذ العام الماضي مستشارًا لمدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف. قبل ذلك، كان يدير الجهاز الخامس، الذي يشرف على اتصالات الجهاز مع الشركاء الأجانب والوكالات الأمريكية. ويشمل الجهاز إدارة المعلومات التشغيلية، فرع الاستخبارات الخارجية لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، والذي يقول مسؤولون أمنيون أمريكيون وروس سابقون إنه قاد التخطيط لغزو بوتين لأوكرانيا.
وفقًا لموقع أجينتورا الاستقصائي الروسي، عمل بيسيدا سابقًا مع وحدة مكافحة التجسس السرية DKRO، التي كشفت الصحيفة أنها وراء اعتقال أمريكيين. وانتقل إلى الإدارة المشرفة على الإدارة الرئاسية بعد تولي بوتين رئاسة روسيا، وفقًا لأجينتورا. إنه واحد من قلة من المسؤولين الروس الذين يمكنهم التواصل مباشرةً مع الرئيس الروسي.
دوره في أزمة أوكرانيا
اتهمه مسؤولون بضلوعه في تحفيز الكرملين نحو شن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا،
واتهمت كييف بيسيدا بقيادة حملة لتقويض جهودها للتحرر من الكرملين، قائلةً إنه قبل الحرب في أوكرانيا، نشر مكتب جهاز الأمن الفيدرالي (FSB) التابع لبيسيدا بيانات استطلاعات رأي من أوكرانيا بهدف تشجيع خطط الكرملين لشن العملية العسكرية.
وخلال إدارة جو بايدن، وفي ذروة حرب أوكرانيا اعتمدت روسيا وأمريكا على أجهزتهما الاستخباراتية للحفاظ على التواصل. كان بيسيدا واحدًا من المسؤولين الروس القلائل المسموح لهم بالتواصل مع الولايات المتحدة.
في ظل هذا الفراغ، اعتمد البلدان على أجهزتهما الاستخباراتية للحفاظ على الاتصالات، وكان يُفوَّض أحيانًا بلقاء مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك ويليام بيرنز.
محادثات الرياض حول أوكرانيا
وفي فندق ريتز كارلتون بالرياض، كانت المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن مصير أوكرانيا تدخل ساعتها الثالثة عشرة عندما انفتح بابان خشبيان للكشف عن الجنرال الجاسوس المنعزل الذي يساعد في قيادة مفاوضات الكرملين.
تقدم العقيد الجنرال سيرجي بيسيدا حتى رأى وميض الكاميرات، ثم تحرك بخطوات محرجة وابتسم ابتسامة عريضة.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان الجاسوس المحترف، المعروف لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية باسم «البارون»، منخرطًا في نوع من الأعمال شديدة السرية التي استهلكت معظم حياته المهنية، إذ كان يلتقي بمسؤولي الوكالة كل بضعة أسابيع في فنادق محجوزة بأسماء مستعارة للتفاوض على أكبر عملية تبادل أسرى في تاريخ الولايات المتحدة وروسيا.
هذا العام، عاد رئيس الاستخبارات المخضرم، البالغ من العمر 70 عامًا، علنًا إلى تلك الفنادق نفسها لإدارة مفاوضات السلام مع إدارة ترامب بشأن أوكرانيا، والتي قد تُنذر بتغيير جذري في موقف الولايات المتحدة تجاه روسيا. وصل المبعوث الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو يوم الجمعة في محاولة لدفع المحادثات مباشرةً مع بوتين.
سر لقب البارون
يُطلق عليه في وكالة المخابرات المركزية لقب «البارون»، نسبةً إلى شغفه بالخياطة حسب الطلب وإدمانه على تدخين السيجار، وهو ما يُشير إلى فترة وجوده في هافانا.
وقال مسؤول أمريكي سابق تفاوض معه: «عُيّن العقيد الجنرال بيسيدا من قِبَل الكرملين للتفاوض على صفقات تبادل الأسرى. ويُراقب جهاز الأمن الفيدرالي هذه القضايا حتى أدق تفاصيلها».
ماذا يعني تعيينه بمحادثات أوكرانيا؟
يُظهِر تعيين بيسيدا كيف تحل أجهزة التجسس التابعة لبوتين محل وزارة الخارجية في المفاوضات الدولية رفيعة المستوى - وهو ما يقول محللون أمنيون إنه لم يحدث قط، حتى في ذروة الحرب الباردة.
يقول مسؤولو الاستخبارات والدبلوماسيون الذين جلسوا أمامه إن «الدفع ببيسيدا - الذي ساعد في التخطيط للعملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، يمثل رسالة إلى كييف مفادها أن بوتين لا يزال ملتزمًا بالسيطرة السياسية على أوكرانيا»، وهذا هدف لا تستطيع أوكرانيا ولا معظم العواصم الأوروبية قبوله.
وعندما سُئل الفريق كيريلو بودانوف، رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأوكرانية، في مقابلة أجرتها معه صحيفة «أوكراينسكا برافدا» عام 2023 عن أخطر شخصية روسية، رفض الإجابة أولًا، ثم ذكر اسم بيسيدا.
بيسيدا، الذي انضم إلى جهاز المخابرات السوفياتي (كي جي بي) في سبعينيات القرن الماضي بعد بوتين بفترة وجيزة، هو أحد المسؤولين الروس القلائل الذين تربطهم صلة مباشرة بالرئيس.
كان بيسيدا شخصيةً ودودةً وذكيةً، على النقيض من قيادات جهاز الأمن الفيدرالي الروسي المتزمتين. كان يُطلق النكات، وفي أول لقاءٍ لهما، أحضر هدايا لنظرائه في وكالة المخابرات المركزية: تذكاراتٌ ذات طابعٍ تاريخيٍّ سوفياتي.
aXA6IDE4LjIyMy40My4zMSA= جزيرة ام اند امز