مستودع فيروسات الخفاش.. خطر دائم يهدد البشرية
قبل خمس سنوات تنبأ الملياردير الأمريكي بيل جيتس بظهور فيروس جديد قد يقتل 10 ملايين نسمة في العالم.
صدقت نبوءة جيتس، وجاء فيروس كورونا المستجد، الأمر الذي دفع البعض إلى إعمال نظرية المؤامرة وترديد أن تلك الجائحة التي لا نزال نعيش تفاصيلها إلى الآن صناعة بشرية.
العلماء من جانبهم يواجهون مثل هذا الكلام بالرفض الشديد، لأنهم يعرفون الحقيقة التي بنى عليها بيل جيتس تنبؤه، وهي أن العالم واجه خلال الفترة من 2000 إلى 2014، سبعة فيروسات كادت تتحول إلى أوبئة، بمعدل فيروس كل عامين، وهي ثلاثة فيروسات إنفلونزا ( خنازير – طيور – موسمية)، وفيروسات سارس وميرس وزيكا وإيبولا، لذلك لم يكن مستغربا ظهور وباء جديد.
وكانت أسوأ حالات تفشي الأمراض الفيروسية بين هذه الأوبئة، والمتمثلة في السارس وإيبولا، سببها الخفاش، وهو أيضا مرشح لأن يكون مصدر الوباء الحالي، وسيظل مرشحا لأن يكون مصدرا لأوبئة قادمة، ما لم يتم قطع الطريق على الصلة التي تجعل من الممكن انتقال فيروسات الخفاش إلى البشر.
ولا تنتقل فيروسات الخفاش من الطائر إلى البشر بشكل مباشر، لأن الخفاش ليس وثيق الارتباط بالبشر، وبالتالي فإن الفيروسات التي تصيبه لا تجد لها طريقاً لإصابة الخلايا البشرية بشكل مباشر.
ولكن ما يحدث هي أنها تنقل الفيروسات إلى حيوانات من البيئة الخاصة بها، ليحدث لهذه الفيروسات تحورات، إلى أن تجد إحداها طريقا لإصابة الخلايا البشرية عندما تعثر على مستقبلات لها.
ويقول الدكتور أحمد محمود سالمان، مدرس علم المناعة و تطوير اللقاحات بمعهد "إدوارد جينر" بجامعة أكسفورد لـ "العين الإخبارية" :"هناك حوالي 2 مليون فيروس تصيب الخفاش، وهذه الفيروسات يمكن أن تنتقل إلى الحيوانات البرية، ليحدث لها تحورات تجعل لها طريقا نحو إصابة البشر لعدم وجود مناعة ضدها".
والحل الأساسي الذي يراه سالمان ضرورياً لمواجهة هذه المشكلة، هو وضع قيود صارمة على تعامل الانسان مع الكائنات الأخرى الموجودة في الطبيعة، وتغيير العادات الغذائية التي تعتمد على كائنات غير تقليدية.
ويتفق الدكتور محمد علي، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، مع ما أشار إليه سالمان، موضحاً أن بعض الدراسات عزت أصل فيروس كورونا المستجد، المسبب للوباء الحالي، إلى الخفاش الذي نقله إلى الإنسان عبر البنجولين (آكل النمل الحرشفي)، كما أن فيروس متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس)، والذي ظهر عام 2003، انتقل من الخفاش إلى قطط الزباد، التي تعيش في الغابات الاستوائية، ومنها إلى البشر، وانتقل فيروس (ميرس) المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية من الخفاش إلى البشر عبر الجمال، والإيبولا عن طريق الغوريلا والشمبانزي.
ويضيف في تصريحات لـ "العين الإخبارية"، أن الطيور مثل الخفاش لا تستطيع أن تنقل الفيروس مباشرة إلى الإنسان، ولكنها تنقله إلى حيوانات قريبة منه فسيولوجيا وتشريحيا، لتقوم بدورها بنقل الفيروس إلى الإنسان، ليحدث تبادل جيني داخل خلايا الإنسان، لينتج فيروس ثالث بمواصفات جديدة تجعله قادر على الانتقال من إنسان إلى آخر.
ومع تسبب الخفاش في نشر الأوبئة عبر وسيط، لا يوجد فيروس قادر على النيل منه، وهو الأمر الذي بحثته دراسة لجامعة كاليفورنيا نشرت في 10 فبراير/شباط الماضي بدورية "إي لايف".
وتوصلت هذه الدراسة إلى أن الخفافيش لديها أجهزة مناعة تستعد دائمًا لتركيب دفاعات ضد الفيروسات، وتؤدي العدوى الفيروسية في هذه الخفافيش إلى استجابة سريعة تؤدي إلى خروج الفيروس من الخلايا، وفي حين أن هذا قد يحمي الخفافيش من الإصابة بأحمال فيروسية عالية، إلا أنه يشجع هذه الفيروسات على التكاثر بسرعة أكبر داخل الثديات الأخرى التي ينتقل لها الفيروس من الخفاش، قبل أن يتم تثبيت دفاعات ضدها، وهذا يجعل الخفافيش مستودعًا فريدًا للفيروسات سريعة التكاثر والقابلة للانتقال.
وفي حين أن الخفافيش يمكنها تحمل مثل هذه الفيروسات، فإنها عندما تنتقل إلى حيوانات تفتقر إلى نظام مناعي سريع الاستجابة تتغلب الفيروسات بسرعة على مضيفيها الجدد، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات.
وتضيف الدراسة أن امتلاك الخفافيش هذه المقدرة يمنحها عمرا أطول بكثير من غيرها من الثدييات من نفس الحجم، فبعض الخفافيش يمكن أن يعيش 40 سنة، في حين أن القوارض من نفس الحجم قد يعيش عامين.