هانيبال وعبقرية الكمائن.. كيف قلب القائد القرطاجي موازين الحرب؟

شهد عام 217 قبل الميلاد، أحد أعظم الكمائن العسكرية في التاريخ، حين سقط جيش روماني كامل في فخ محكم نصبه القائد القرطاجي، هانيبال.
واندلعت الحرب بين روما وقرطاج عام 218 ق.م، واعتقدت روما أنها ستكون حربًا قصيرة وسهلة. إلا أن هانيبال، القائد القرطاجي الشاب، قلب التوقعات رأسًا على عقب.
وبحسب موقع ذا كولكتور، المعني بالتاريخ، جمع هانيبال جيشه في شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال حاليًا) المكوّن من 50 ألف جندي من المشاة، و9 آلاف فارس، و37 فيلًا، وعبر جبال البيرينيه ثم جبال الألب الوعرة في أواخر خريف ذلك العام.
ورغم الخسائر الفادحة بسبب القبائل المعادية وظروف الطقس القاسية، وصل هانيبال إلى إيطاليا ومعه نحو 20 ألف جندي من المشاة و6 آلاف فارس، وعدد قليل من الفيلة، مفاجئًا الرومان على أرضهم.
أولى المعارك: نهر تيتشينوس
توجّه القنصل الروماني بوبليوس كورنيليوس سكيبيو لمواجهة هانيبال، واشتبك الجيشان قرب نهر تيتشينوس. تفوقت فرسان هانيبال والنوميديون على الرومان، وكاد سكيبيو أن يُقتل لولا نجاته على يد ابنه البالغ من العمر 16 عامًا – الذي سيعرف لاحقًا باسم سكيبيو الإفريقي.
ورغم كونها معركة صغيرة، إلا أنها كانت مؤشرًا لما هو قادم، ودعت روما على الفور الجيش الروماني المتجه نحو أفريقيا للعودة لحماية البلاد.
معركة نهر تريبيا: الفخ الشتوي
وصل القنصل الآخر، تيبيريوس سيمبرونيوس لونغوس، وتعجل خوض المعركة رغم تحذيرات سكيبيو. فخدعهم هانيبال مجددًا، فاستدرج الرومان لعبور نهر تريبيا المتجمّد في برد قارس، دون طعام أو استعداد.
وعندما أنهكهم البرد والجوع، فاجأهم هانيبال بكمين من 2000 جندي كانوا مختبئين في مجرى نهر جاف، مدعومين بهجمات الفرسان من الأجنحة. كانت النتيجة: هزيمة رومانية ساحقة أخرى.
عبور المستنقعات: الهروب الذكي
مع تزايد المخاطر، أرسلت روما جيشين لقطع طريق تقدم هانيبال. لكنه خدعهم مجددًا، وعبر مستنقعًا اعتُبر سابقًا غير قابل للمرور. خسر الكثير من الرجال والحيوانات حياتهم في الطريق، وأصيب بعدوى في عينه أفقدته البصر بها.
لكنه نجح في التسلل إلى إتروريا (توسكانا اليوم)، متجاوزًا جيش غايوس فلامينيوس دون أن يُكتشف.
معركة بحيرة تراسمين: الكمين الكاسح
عند وصوله إلى توسكاني، سمح هانيبال لجنوده بنهب الريف، ما استفز فلامينيوس للخروج من معسكره وملاحقة القرطاجيين دون انتظار التعزيزات.
في صباح اليوم التالي، قاد فلامينيوس جيشه المؤلف من 25 ألف رجل في طريق ضيق بين التلال وبحيرة تراسمين، محاطًا بضباب كثيف.
في لحظة واحدة، دوّت الأبواق الحربية، واندفع المحاربون الأفارقة والإيبيريون والغاليون من التلال نحو الرومان، فيما هاجم الفرسان المؤخرة، قاطعين طريق الانسحاب.
وكتب المؤرخ بوليبيوس: "فوجئ فلامينيوس تمامًا: فالضباب كان كثيفًا، وعدد كبير من الأعداء يندفعون من المرتفعات، حتى أن القادة لم يستطيعوا رؤية ما يجري، ولا معرفة من أين تأتي الضربات."
وتحولت المعركة إلى مجزرة. كان الجيش الروماني غير مستعد للقتال، ومحاصر بين المياه والعدو. وغرق الكثيرين وهم يرتدون دروعهم الثقيلة، فيما قتل آخرون أنفسهم أو طلبوا من رفاقهم قتلهم تفاديًا للأسر.
ويقول بوليبيوس، إن أكثر من 15 ألف جندي روماني لقوا مصرعهم، منهم فلامينيوس نفسه.
أما 6000 جندي من الطليعة، فقد تمكنوا من شق طريقهم، لكنهم استسلموا في اليوم التالي بعد محاصرتهم من قبل قوات هانيبال الخفيفة.
عبقرية عسكرية لا مثيل لها
أظهر هانيبال في معركة تراسمين براعة نادرة في تكتيك الكمائن، بإخفائه جيشًا كاملًا قوامه 50 ألف جندي دون أن يشعر به العدو.
كان أبرز نتائج المعركة مقتل 60 بالمائة من الجيش الروماني، وأُسر الآلاف، بينما لم يخسر هانيبال سوى 1500 إلى 2500 جندي – معظمهم من الغال.
تُعد هذه المعركة واحدة من ثلاث انتصارات عظيمة لهانيبال على الرومان، إلى جانب معركتي تريبيا وكاناي، وتبقى درسًا خالدًا في فن الحرب والمباغتة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAzIA== جزيرة ام اند امز