«بزة مدرعة».. ابتكار أوكراني يواجه قنابل المسيرات

في خضم التحولات التي فرضتها الطائرات المسيّرة على سير المعارك الحربية، برز الميجور أوليه شيرياييف، كمبتكر استثنائي أعاد تعريف مفهوم الحماية الفردية للجنود.
استلهم شيرياييف، الحائز على وسام "بطل أوكرانيا" وهو أعلى تكريم عسكري، مشروعه من واقع الجبهات، حيث لاحظ أن الشظايا الناتجة عن قنابل المسيرات باتت القاتل الأول للجنود، متجاوزةً حتى نيران الأسلحة التقليدية، بحسب تقرير صحيفة "تليغراف" البريطانية.
درع مبتكر لمواجهة تهديد غير مسبوق
البزة الجديدة التي طورها شيرياييف ليست مجرد سترة واقية تقليدية، بل منظومة حماية متكاملة صُممت خصيصاً لمواجهة الشظايا المتطايرة من انفجارات القنابل الصغيرة التي تلقيها الطائرات المسيّرة.
وتعتمد البزة على مزيج متطور من ألياف "الكيفلار" – المعروفة بقدرتها العالية على امتصاص الصدمات ومقاومة الحرارة – مع مواد ماصة للطاقة تشتت قوة الشظايا وتمنع اختراقها لجسد الجندي.
كما زُودت البزة بتدعيمات استراتيجية في مناطق المفاصل (المرفقين، الركبتين، الكاحلين)، وأحذية ذات نِعال مقاومة للانفجارات ما زالت قيد التطوير.
ورغم أن الكيفلار لا يضاهي الدروع الخزفية في مقاومة الرصاص المباشر، إلا أن خفة وزنه ومرونته تجعله مثالياً لتغطية معظم أجزاء الجسم دون أن يرهق الجندي أو يحد من حركته بشكل كبير، وهو ما يمثل نقلة نوعية في مواجهة تهديد الشظايا المنتشرة.
تحولات الحرب: من الرصاص إلى الشظايا الذكية
يقول شيرياييف: "فكرة هذه البزة كانت مبادرتي الخاصة.. والدافع هو الطائرات المسيّرة؛ فعندما تُلقي طائرة عدوة قنبلة، تتطاير الشظايا بسرعات وأوزان قاتلة".
هذه الرؤية تعكس تحولات جوهرية في طبيعة الحرب الأوكرانية، حيث الجمود العسكري الذي يبقي الجنود في مواقع ثابتة لفترات طويلة، وتصدر الطائرات المسيّرة والمدفعية قائمة مسببات الإصابات، مقابل تراجع دور الأسلحة الخفيفة التقليدية.
ووفقا للتقرير ذاته، لم تعد السترات الواقية التقليدية، التي تحمي فقط الأعضاء الحيوية من الرصاص، كافية أمام سيل الشظايا الدقيقة التي تهاجم الجنود من الأعلى، ما دفع شيرياييف إلى تطوير حل شامل يوفر تغطية أوسع للجسم.
تحديات التنفيذ: بين الوزن والمرونة
رغم الطابع الثوري للبزة ال= يواجه التصميم تحديين رئيسيين: الوزن ومرونة الحركة. فالبزات الكاملة غالباً ما تُستخدم فقط في وحدات متخصصة مثل فرق نزع القنابل، بسبب صعوبة المناورة وارتفاع حرارة الجسم، وهو ما يتطلب توازناً دقيقاً بين الحماية والكفاءة القتالية.
لكن شيرياييف، المخضرم في معارك منذ 2014 وقائد التوغل في كورسك 2024، يؤمن أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي وأن "الجندي هو من يوجّه الطائرة ويتخذ القرارات، ولا يمكن خوض الحرب دون المشاة".
يتزامن هذا الابتكار مع سباق عالمي لتطوير مواد أخف وأكثر متانة للدروع الواقية، حيث يعمل باحثون في جامعات مثل زيورخ وكارولينا الجنوبية على تحويل أقمشة عادية إلى دروع خفيفة باستخدام مركبات مثل كربيد البورون، ما قد يفتح الباب أمام جيل جديد من تجهيزات الحماية الفردية تجمع بين الخفة والصلابة.