رادار «دون-2 إن» الروسي.. عين موسكو التي لا تنام

في قلب الغابات الروسية، وعلى مشارف العاصمة موسكو، ينتصب رادار "دون-2 إن" كواحد من «أعظم» الإنجازات الهندسية في تاريخ الدفاع الصاروخي العالمي.
هكذا وصفت صحيفة «ناشيونال إنترست» الرادار الذي أطلقت عليه استخبارات الناتو اسم "الصندوق الدوّار" (Pill Box)، مشيرة إلى أنه ليس مجرد رادار تقليدي، بل هو عقل إلكتروني متكامل يراقب الفضاء الروسي بلا كلل، ويوفر حماية استراتيجية للعاصمة موسكو ضد أي هجوم صاروخي محتمل.
تصميم هندسي فريد وقدرات خارقة
يخطف "دون-2 إن" الأنظار بهيكله الهرمي الضخم، حيث يضم كل وجه من أوجهه الأربعة هوائياً دائرياً بقطر 59 قدماً، تعمل جميعها في نطاق الترددات العالية لتوفير تغطية رادارية شاملة بزاوية 360 درجة.
إلى جانب هذه الهوائيات، توجد هوائيات مربعة بطول 33 قدماً، مخصصة لتوجيه صواريخ الاعتراض بدقة رقمية متناهية، ما يتيح للنظام رصد أجسام صغيرة بحجم كرة معدنية قطرها 5 سم من مسافة تصل إلى 2000 كيلومتر، وارتفاعات شاهقة تبلغ 40 ألف كيلومتر.
وراء هذه القدرات الخارقة تقف حواسيب "إلبروس-2" الفائقة، القادرة على معالجة بيانات عشرات الأهداف في اللحظة نفسها، وتحليل مساراتها، وتنسيق عمليات الاعتراض تلقائياً حتى في حال انقطاع الاتصال بمركز القيادة.
ويعتمد الرادار على تقنية الصفيف المرحلي ذات المسح الإلكتروني، التي تمنحه سرعة ودقة غير مسبوقة في الاكتشاف والتتبع والتوجيه، بالإضافة إلى القدرة على مراقبة النصف العلوي من الكرة الأرضية باستمرار.
جذور تاريخية وتحديات الحرب الباردة
انبثق تطوير "دون-2 إن" من رحم سباق التسلح في الحرب الباردة، استجابة لبنود معاهدة الحد من أنظمة الدفاع الصاروخي (ABM) عام 1972، التي سمحت للاتحاد السوفياتي بحماية موقع واحد فقط من هجوم صاروخي. وقع الاختيار على موسكو، رمز الدولة وقلبها السياسي.
بدأ العمل في المشروع عام 1978 ليصل إلى الجاهزية الكاملة عام 1989، قبل دمجه رسمياً مع منظومة "إيه-135" عام 1996 بعد اختبارات مكثفة شملت نماذج أولية في كازاخستان.
تكمن الأهمية الاستراتيجية للرادار في أن الخطة النووية الأمريكية (SIOP) عام 1998 خصصت 69 رأساً نووياً لتدميره وحده، ما يعكس مدى تأثيره في معادلات الردع النووي.
مهام متعددة تتجاوز الدفاع الصاروخي
لا تقتصر مهام "دون-2 إن" على اكتشاف الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وتوجيه صواريخ الاعتراض مثل "53T6 غازيل"، بل يمتد دوره إلى تصنيف الرؤوس الحربية وتمييزها عن القذائف الوهمية ومقاومة التشويش الإلكتروني.
كما يلعب دوراً محورياً في مراقبة الفضاء، إذ يتعقب الأجسام الفضائية ويرسل بياناتها إلى مركز المراقبة الروسي، وقد أثبت تفوقه في تجربة مشتركة مع الولايات المتحدة عام 1994 حين تمكن من رصد كرة معدنية قطرها 5 سم من مسافة 2000 كيلومتر، متجاوزاً بذلك الرادارات الأمريكية المنافسة.
اليوم، يتكامل "دون-2 إن" مع شبكة إنذار مبكر أوسع تشمل رادارات "فورونيج" وأقمار "إيه كيه إس" الاصطناعية، ليشكل درعاً متعدد الطبقات يحمي المجال الجوي الروسي من التهديدات الحديثة.
سباق عالمي في تقنيات الرادار
تسعى القوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة والصين، إلى تطوير أنظمة رادار مماثلة قادرة على كشف وتتبع الأهداف الجوية والصاروخية بعيدة المدى,
لكن الخبراء الروس يؤكدون أن "دون-2 إن" ونظراءه من الرادارات الروسية لا تزال تتفوق في المدى والدقة والقدرة على التعامل مع أهداف متعددة في وقت واحد، ما يمنح موسكو ميزة استراتيجية في سباق التسلح العالمي.
بهذا، يظل رادار "دون-2 إن" أكثر من مجرد إنجاز هندسي؛ إنه رمز لعقود من الابتكار والتحدي في قلب الحرب الباردة، وركيزة أساسية في منظومة الدفاع الصاروخي الروسية الحديثة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODEg
جزيرة ام اند امز