شيوخ على الجبهات.. ماضي أوكرانيا يحمي مستقبلها

مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الرابع، بات مشهد المقاتلين من كبار السن أو "الأجداد" على الجبهات الأمامية أمرًا مألوفًا إلى حد كبير.
ولفتت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن ساحات القتال في أوكرانيا باتت تعج بالرجال ذوي الشعر الرمادي، الذين يحملون لقب "ديد" — الكلمة الأوكرانية التي تعني "الجد"، في ظل مساعي الحكومة الأوكرانية تفادي تجنيد الشباب، حرصًا على مستقبل البلاد الديموغرافي والاقتصادي.
والتقت الصحيفة عددا من هؤلاء الأجداد مثل أندري كوخار، البالغ من العمر 46 عامًا، الذي كان يراقب جهاز اللاسلكي منتظرًا الأوامر، فيما يتابع أخبار حفيدته على هاتفه بين الحين والآخر، في مشهد يجسد تداخل أدوار المحارب والجد في آن واحد.
أما زميله ميكولا فوسكريس، البالغ من العمر 53 عامًا وله خمسة أحفاد يعيش معظمهم في الخارج، فقد ترك عمله في البناء في بولندا وعاد إلى أوكرانيا متطوعًا في الجيش في اليوم الذي بدأت فيه روسيا عمليتها العسكرية واسعة النطاق في فبراير/ شباط 2022.
ويقول فوسكريس: "أعتقد أن التضحية تستحق العناء. الجيل الأصغر من الأوكرانيين يجب أن يركز على بناء حياتهم والاستعداد لإعادة إعمار البلاد بعد الحرب".
انتشار لقب "الجد" في الجيش الأوكراني ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل يعكس أزمة ديموغرافية متفاقمة تواجهها البلاد. فمع تراجع معدلات المواليد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، أصبحت أوكرانيا تضم عددًا أكبر من الرجال فوق الأربعين مقارنةً بمن تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا، بحسب هيئة الإحصاء الحكومية.
وفي ظل قوانين تسمح للجيش الأوكراني بتجنيد الرجال من سن 25 حتى 60 عامًا، يبلغ عدد أفراد القوات المسلحة نحو 880 ألف مقاتل، معظمهم في الفئة العمرية بين 40 و45 عامًا. وغالبًا ما يُمنح لقب "الجد" لأكبر الجنود سنًا أو أكثرهم خبرة، سواء كان ذلك اختيارًا شخصيًا أو تقديرًا من الجنود الأصغر سنًا.
ورغم عمل الكثير من هؤلاء المسنين كسائقي دبابات أو ناقلات، بعد أن خدموا سابقًا في أدوار أخرى، إلا أن الخدمة في المشاة تبقى الأصعب، نظرًا لما تتطلبه من جهد بدني وساعات طويلة في الخنادق، وغالبًا ما يكون من يؤديها فعلاً من كبار السن.
برغم ذلك، لا تزال أوكرانيا تملك احتياطيًا غير مستغل من الجنود المحتملين، وهم الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا، والذين يتمتعون بلياقة بدنية عالية ومهارات تقنية قد تكون حاسمة في ساحة المعركة الحديثة التي تهيمن عليها الطائرات المسيّرة والتقنيات الرقمية.
في الوقت ذاته، تواجه الحكومة الأوكرانية ضغوطًا أمريكية متزايدة لخفض سن التجنيد الإجباري، إلا أن كييف تخشى أن يؤدي ذلك إلى كارثة ديموغرافية تهدد قدرة البلاد على التعافي بعد الحرب. فإقحام الشباب في أتون الحرب قد ينعكس سلبًا على عملية إعادة الإعمار والتنمية لاحقًا.
ولهذا السبب، أطلقت الحكومة مؤخرًا برنامجًا جديدًا لجذب المجندين الشباب، يتضمن مكافأة تسجيل قدرها 24 ألف دولار، إضافة إلى إمكانية الحصول على قرض عقاري بدون فوائد، في محاولة لتحفيزهم على الانضمام طواعية إلى الجيش.
ومع ذلك، لا يزال الرجال دون سن 25 عامًا مستثنين من الخدمة العسكرية الإلزامية حتى الآن.
تشير تقارير دولية إلى أن هذه الاستراتيجية الأوكرانية قد تكون سيفًا ذا حدين؛ فمن جهة، تحافظ على قوة العمل الشابة الضرورية لمستقبل البلاد، لكنها من جهة أخرى تضع عبئًا متزايدًا على الأجيال الأكبر سنًا، الذين يواجهون تحديات بدنية ونفسية كبيرة في ساحة المعركة.
كما أن استمرار الحرب لفترة أطول قد يفرض على الحكومة الأوكرانية إعادة النظر في سياساتها، خاصة إذا ما تزايدت الخسائر البشرية أو تعقدت الأوضاع على الجبهات.