تذكّروا كلامي هذا، ونحن نغلق صفحات هذا العام، إنه في العاشر من يناير 2020 حينما يصوت البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا.
"غزوة طرابلس" التي يعد لها رجب طيب أردوغان ستكون بمثابة المستنقع الذي "سيغرز" فيه عسكرياً وأمنياً، وأول حفرة فى قبره السياسي!
الحماقة السياسية، وكبر النفس، والتطاوس على دول المنطقة، وحلم صناعة إمبراطورية عثمانية جديدة.. أفقدت الرئيس التركي رجاحة تفكيره السياسي، واستحوذت على قراراته العصبية المرتبكة.
تذكّروا كلامي هذا، ونحن نغلق صفحات هذا العام، إنه في العاشر من يناير 2020 حينما يصوت البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا سيكون بذلك قد كتب شهادة وفاة رجب طيب أردوغان، طال الزمان أو قصر.
يعيش الرجل في حالة من الخلل في الإدراك، بناء على واقع افتراضي صنعه بنفسه لنفسه لا علاقة له بحقائق الأمور ولا واقع الحال.
آخر الضلالات التي يعيشها الرجل ما صدر عن الرئيس التونسي الذي يؤكد أن زيارة أردوغان لم تؤدِّ إلى صناعة تحالف، وقال بالحرف: «نحن لم ولن ندخل في تحالفات أو محاور في المنطقة».
جاء ذلك بعدما سرّب أردوغان أن هناك حلفاً من تركيا وقطر وتونس والجزائر للدفاع عما سماه «الشرعية فى ليبيا».
المذهل أن الرجل كلما تحدّث عن نواياه فى إرسال سلاح وقوات إلى طرابلس تبجّح بالآتي:
1 - إن الطلب جاء من السلطة الشرعية، أي «حكومة السراج».
2 - وحيث إن فخامته هو المدافع الأول عن الشرعية على ظهر كوكب الأرض فإنه سوف يرسل قواته بعدما يحصل على موافقة البرلمان التركي في العاشر من يناير المقبل.
المذهل، الذي يعرفه ويتجاهله تماماً الرئيس أردوغان، أن سلطة حكومة السراج من وجهة النظر التشريعية، والقانونية، والقانون الدولي، فاقدة للشرعية!
حكومة السراج منذ أن تأسست خالفت الدستور الليبي، واتفاق الصخيرات، ولم تحصل، حتى كتابة هذه السطور، على أي موافقة (وأكرر أي موافقة) في أي جلسة للبرلمان الليبي عليها.
المذهل أكثر أن هذه الحكومة تمارس عملها دون أن يقسم رئيسها ووزراؤها اليمين القانونية حسب نص الدستور.
وهذه الحكومة مزعومة الشرعية انتهت صلاحيتها حسب اتفاق الصخيرات يوم 17 ديسمبر من الشهر الحالي!
إذن، أي شرعية يتحدث عنها أردوغان؟!
هذا من ناحية الشرعية، أما من ناحية الأمر الواقع فهذه جماعة مسيطرة فقط على معظم العاصمة وأطراف بعض المدن، ليس لديها جيش وطني نظامي، ولكن لديها ائتلاف خمس مليشيات مع مرتزقة روس وبعض القتلة المأجورين من أفريقيا السوداء وكتيبة من المجرمين الليبيين السابقين الهاربين من سجون القذافي.
هذه هي السلطة التي يسعى فخامته للدفاع عنها.
نأتي إلى الواقع الحقيقي، وليس الخيال الافتراضي، الذي سوف تواجهه قوات أردوغان الذين سيدفع بهم إلى التهلكة!
سوف يرسلهم أردوغان وهو لا يعرف حقائق الأمور.
ليبيا دولة مترامية الأطراف، هي الرابعة من ناحية المساحة أفريقياً، ورقم 17 في المساحة عالمياً، تعداد سكانها قرابة 7 ملايين يتشرذمون شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً.
أما مدينة طرابلس فهي مدينة ساحلية على مرتفع صخري يبلغ تعداد سكانها مليون نسمة، هناك صعوبة شديدة في مداخلها البرية لمن يريد دخولها من الأطراف، وبها مطار واحد قابل للعمل هو «معيتيقة».
من الناحية اللوجيستية سوف يحتاج أردوغان إلى 12 كتيبة قتال -على الأقل- للسيطرة على مدينة طرابلس، مزودين بعتاد يبدأ من المجنزرات براً وينتهي بزوارق صواريخ وفرقاطات بحراً مع حماية جوية دائمة.
بدخول قوات أردوغان -إذا ما وصلت- لطرابلس، يكون قد دقّ جرس الإنذار الأحمر، وأصبح فعلياً مصدر تهديد للأمن القومي لكل من:
1 - مصر.
2 - قبرص.
3 - اليونان.
4 - إسرائيل.
5 - سوريا.
6 - فرنسا.
7 - إيطاليا.
مبعث التهديد هو أن تلاعب أردوغان في الحدود البحرية لبلاده وبدء ترسيمها على هواه، بحيث تبدأ من طرابلس هو اعتداء على الاتفاقات الدولية التي أُقرّت بين مصر واليونان وقبرص، وبين هذه الدول وإسرائيل، وأخيراً اتفاق تحديد الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الذي أُقر في عام 2018.
هذا العبث بحقوق هذه الدول، وهذا التهديد لمصدر الثروات لديها، المتمثل في خزان الغاز العملاق في البحر المتوسط، يستحق أن تقاتل من أجله هذه الدول وأن تجيش له جيوش المنطقة وقواتها البحرية.
هكذا أردوغان يدخل هذه المعركة المغامرة وعملته المحلية متدهورة، والعقوبات مفروضة عليه وعلى اقتصاده، وخلافاته مع جيرانه وحلف الأطلنطي والاتحاد الأوروبي لم تتوقف، وقواته منتشرة في كل من سوريا والعراق والصومال وجيبوتي وقطر، وفي المدن التركية الكردية، وفي المدن الكبرى لحماية المنطقة المركزية، خوفاً من انقلاب عسكري جديد.
إنها الحماقة السياسية، إنها مغامرة غير محسوبة، إنه الهروب من الداخل إلى أوهام الانتصارات في الخارج.
تذكّروا كلامي هذا، ونحن نغلق صفحات هذا العام، إنه في العاشر من يناير 2020 حينما يصوت البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا سيكون بذلك قد كتب شهادة وفاة رجب طيب أردوغان، طال الزمان أو قصر.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة