ينذر سقوط مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي وإزاحته بعملية مخابراتية ناعمة بأن الصراع علي السلطة في واشنطن قد بلغ أشده، وأحسب أن العيون المراقبة عليها أن تتابع سقوط أو معركة إسقاط ستيف بانون كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب الاستراتيجي، وليس واضحا ح
ينذر سقوط مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي وإزاحته بعملية مخابراتية ناعمة بأن الصراع علي السلطة في واشنطن قد بلغ أشده، وأحسب أن العيون المراقبة عليها أن تتابع سقوط أو معركة إسقاط ستيف بانون كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب الاستراتيجي، وليس واضحا حتي الآن ما إذا كان ترامب قادرا علي كسب معركته ضد القوي العميقة، بل أن «كبار الجنرالات» في إدارته ووزير خارجيته يتصرفون كما لو إن «الأمور تجري كالمعتاد» في الولايات المتحدة.
وهنا يبدو أن ترامب نفسه بات مصيره علي المحك، وسيناريوهات الإطاحة به أو عزله أو حتي اغتياله يتم تداولها بمنتهي السهولة، وأحسب أن هذا المشهد المعقد يجب ألا يدفعنا إلا إلي «التدخل النشيط» مع ترامب واستغلال حاجته إلي «نجاحات» تعزز موقعه، ولكن في المقابل يجب بدء «حوار فعال» مع نائب الرئيس مايك بنس وأيضا بول ريان رئيس مجلس النواب (أحد القيادات الجمهورية المرشحة للرئاسة)، وهذا الحوار الفعال يجب أن يتعمق مع الكونجرس وقياداته من الحزيين، ومراكز الأبحاث، والمؤسسات الإعلامية، والتي نري الآن أنها رأس الحربة في الصراع الدائر.
ووسط هذا كله فإن الجناح الشعبوي والجامح فيما يبدو قد أدي دوره بوصول ترامب إلي السلطة، والآن تبدأ عملية الحكم المعقدة، وإذا ما توقفنا هنا أمام مساعد ترامب السيد بانون فهو سبق أن بشر في برنامج اذاعي في مارس الماضي «تنتظرنا حربان»، وقال بانون «لدينا مشكلة مع التوسع الإسلامي وتوسع الصينيين. هم مزودون بدوافع قوية، ووقحون ومتغطرسون يسيرون إلي الأمام، ويعتقدون أن اليهودية والمسيحية الغربية تتراجعا مضيفا «قد لا يعجب الجميع ذلك. ورغم هذه الغيوم السوداء والتي ينبغي أن يعمل الجميع خاصة في منطقتنا بقوة علي تبديد هذه الاحتمالات الكارثية، إلا أن التحليل الهاديء يقول إن «الحرب الكبيرة في الشرق الأوسط» ربما تحدث؟! وهنا فإن الدول العربية والاسلامية مطالبة بأن تضع حدا لهذا الجموح ولا نقول الجنون، ولعل قادة الفكر والتنوير وشيوخ ومؤسسات الاعتدال مطالبة بالعمل، والتجاوب مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في دعوته لتجديد «الخطاب الديني»، وهؤلاء لم يدركوا «سر دعوة الرئيس للتجديد» فمن الواضح أن ثمة هجوما كبيرا، ومخاوف عميقة تجتاح ليس فقط الولايات المتحدة، بل أوروبا والغرب والشرق الآسيوي من « الخطر الإسلامي». وأحسب أن القادة العرب والمسلمين عليهم دور في تهدئة مخاوف القادة السياسيين في أمريكا والغرب، كما أن بقية قادة المنظمات الدينية ومراكز الأبحاث العربية والاسلامية والرموز الإعلامية والثقافية عليها أن تنخرط في «حوار عميق وفعال» بشأن حقيقة وجود مخطط لغزو الغرب، والأخطر التنبيه إلى إن إشعال «المزيد من الحرائق» خاصة «الحريق الكبير بين السنة والشيعة» لن تقف آثاره وانعكاساته علي البلدان العربية والإسلامية فقط بل سيصل إليهم في المدن الامريكية والأوروبية وبقية انحاء العالم.
وأحسب أن العيون كلها الآن باتت تتجه صوب القاهرة، وما الذي سوف تشهده العلاقات المصرية الأمريكية، خاصة أن هناك «جهدا ونشاطا كبيرا» يجري الآن للاعداد لأول لقاء ما بين ترامب والسيسي.
ولعل أول نقطة يجب إبرازها هي أن مصر تخوض حربا باهظة التكلفة البشرية والمادية ضد الإرهاب، وأن القاهرة تقف بمفردها في هذه الحرب «دفاعا عن قيم التعايش والتسامح».وقبل أن يتوجه الرئيس السيسي فإن مراكز الابحاث الأمريكية المتعددة لم تتوقف عن تقديم رؤيتها، وأحدثها جاء بعنوان »وضع الشروط للعلاقات بين الولايات المتحدة ومصر« والذي أجراه مركز التقدم الامريكي. ويقدم واضعو التقرير 3 نقاط جوهرية: أولا »ترامب يسعي إلي علاقات وثيقة مع السيسي، ولكن الولايات المتحدة يجب أن تطلب الأفضل في المقابل من اجل مصلحة البلدين». وثانيا: «إن الهدف لايمكن أن يكون علاقات دافئة مابين القادة، ولكن تحسين التعاون، وثالثا: «إن التوصيفات الامريكية للارهاب يجب أن تعتمد علي معلومات استخباراتية موثوقة وليس علي الاعتبارات الايديولوجية».
ويشرح معدو التقرير دانيل بنيام والذى عمل فى إدارة أوباما ومختار عواد وبريان كاتوليس قائمة المطالبة الأمريكية من مصر رسالة عامة من الرئيس السيسي إلي المصريين تؤكد أن الولايات المتحدة «شريك» وليس «تهديدا»، وتسهيل التعاون الاقتصادي والعسكري الامريكي مع القاهرة، وفتح المجال أمام المجتمع المدني، ومعالجة القضايا العالقة والتي تتضمن مواطنين أمريكيين، وحماية حقوق الاقليات الدينية، ويشير هؤلاء إلي استخدام مسألة «الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي» للبيت الأبيض كحافز للتقدم في هذه الأمور التي ينبغي أن تطالب بها واشنطن القاهرة. وردا علي ماسبق هو أن القاهرة سبق أن امتنعت هي عن الذهاب إلي البيت الأبيض، كما أن السيسي ليس الرجل الذي يقبل «بمثل هذه الشروط»... ومن المؤسف أن تظل هذه العقلية المتغرطسة علي حالها، ولكن دعونا نكمل مايراه هؤلاء فهم يطالبون بتشجيع القاهرة علي تطوير استراتيجية متناسقة وواسعة النطاق لمواجهة التطرف العنيف مع احترام الحقوق الاساسية للجميع. ووفقا لرؤية هؤلاء الباحثين فان إدارة ترامب عليها أن تعمل أيضا علي «التركيز في مجال التعاون الأمني علي 4 مجالات بالاضافة إلي التدريب وهي: مكافحة الارهاب، سيناء، أمن الحدود، الأمن البحري. وهذه المجالات مع التعاون العسكري يجب أن تستمر وتضاف إليها أولوية خامسة وهي تدريب أفراد الأمن المصري. وبالاضافة إلي ذلك يري الخبراء يجب حشد الخبراء الامريكيين والشركاء الآخرين بمساعدة مصر في عملية الإصلاح الاقتصادي، ولكن فقط حيث يرغب المصريون. ويؤكد دانيل أن مصر بحاجة إلي إيجاد قيمة اقتصادية، ويضيف أن ماتحتاجه مصر وبشدة «رؤية اقتصادية موثوق بها لتنقل البلاد من أزمتها المزمنة واعتمادها علي المعونة باتجاه الإصلاحات لتثبيت. البرنامج الاقتصادي اللازم لإيجاد فرص العمل وجذب الاستثمارات. ويجب أن تشجع الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون مثل هذه الرؤية، ولكن التأييد الكثيف للإصلاح الاقتصادي يجب أن يتوقف علي شراء المصريين علي أعلي المستويات لذلك الأمر.
ويبقي أن الجانب المصري عليه أن يدرك أن المشهد الحالي يشبه إلي حد بعيد لعبة «الشرطي الطيب» و «الشرطي الشرير»، وأن توزيع الأدوار يعني بوضوح رغبة «المؤسسة العميقة» صاحبة الكلمة النافذة في «أحسن الشروط» بأقل التكاليف. ولكن علينا أن نتقن لعبة التفاوض المعقدة، وأن نطلب شروطا وأثمانا كبيرة للأوراق التي بحوزتنا، خاصة أننا «صمدنا» طوال عهدي بوش وأوباما ومخطط الفوض الخلاقة. والآن علي أمريكا أن تدفع الثمن.
نقلا عن صحيفة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة