عاد الإيرانيون بسرعة البرق إلى فلسطين بعد أن فرغوا أو كادوا من إنجاز المذابح بسوريا من القلمون إلى حلب. وللعودة سببان رئيسان: لفت الانتباه عن المذابح في سوريا والعراق والهزائم في اليمن، والتصدي لحملات إدارة ترامب على طهران في قضايا النووي والصواريخ البالي
عاد الإيرانيون بسرعة البرق إلى فلسطين بعد أن فرغوا أو كادوا من إنجاز المذابح بسوريا من القلمون إلى حلب. وللعودة سببان رئيسان: لفت الانتباه عن المذابح في سوريا والعراق والهزائم في اليمن، والتصدي لحملات إدارة ترامب على طهران في قضايا النووي والصواريخ الباليستية والعدوان على المنطقة.
منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، تواصل الإيرانيون مع «حماس» مباشرةً بعد أن كان التواصُلُ قاصراً على «حزب الله». وكانوا منذ الثمانينيات يرعون تنظيم «الجهاد الإسلامي»، الذي أنشؤوه منذ البداية. ومن هذين الطريقين: طريق «حزب الله» والجهاديين الفلسطينيين، وطريق التغلغل بالعراق بعد الغزو الأميركي، دخلوا بالإضافة للعراق إلى عدة دولٍ عربيةٍ وإسلامية، وأنشؤوا تنظيمات، ونشروا المذهب حتى في غزة التي اهتدى عشراتٌ من أبنائها إلى مذهب «أهل البيت»!
ومن دون تطويل وتفصيل، فإن إيران استفادت واستمتعت بهذا «الخراب الجميل» الذي أحدثته في كل مكان، وصارت تفتخر بالاستيلاء على أربع عواصم عربية: بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء! لكنها وهي تفعل ذلك، ومنذ حرب عام 2006 غادرت الساحة الفلسطينية إلا في الإعلام، بحيث صار واضحاً وفاضحاً أن تلك المغادرة (باستثناء دعم المتشيِّعة) سببُها التوافُق المتدرج مع إدارة أوباما على تسوية المشكلات مع أميركا مقابل عدم التعرض لأمن إسرائيل! وقد شكا أنصار إيران الفلسطينيون من ذلك، وما اقتصرت الشكوى على «حماس» بل تعدتها إلى «الجهاد الإسلامي». وبالطبع فهؤلاء عندما كانوا يشكون ما كانوا يجرؤون على ربط تغير الموقف الإيراني بالاتفاق غير المعلن مع أميركا، بل كانوا ينسبون ذلك إلى موقفهم «الصامد» في سوريا بعدم دعم نظام الأسد بخلاف ما صنعه ويصنعه أحمد جبريل، وأنهم بذلك أغضبوا سليماني ونصر الله اللذين كانا يقاتلان هناك بميليشياتهم والميليشيات العراقية والأفغانية!
المهم أنّ فلسطين عادت الآن لتكون رايةً مزورة ومشجباً تعلّق عليه إيران مطامحها وآمالها ومشاكلها القديمة والمستجدة. وهذا ما حصل في مؤتمر طهران الأخير لدعم المقاومة، والذي شتم فيه الجميع أميركا (وبالطبع إسرائيل) بمن في ذلك نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني. وفي الاجتماع المذكور تحدث خامنئي عن دعم (أو العودة لدعم) المقاومين في فلسطين وهجران الذين لا يفعلون ذلك. واختلطت الشتائم لأميركا وللعرب وللسلطة الفلسطينية المستسلمة بالثناء على إيران باعتبارها مصدر الخير والبركة والتحرير كما زعم الأمين العام المساعد لـ«حزب الله»!
واللافت أنّ رمضان شلَّح، الأمين العام لمنظمة «الجهاد الإسلامي»، كان أشدّ الشاتمين للسلطة الفلسطينية المتآمرة على المقاومة، وأبلغ الداعين لتوحيد جبهات المقاومة، بعد الثناء العطِر على «الجمهورية الإسلامية» ومواقفها في دعم الشعب الفلسطيني. وشلَّح نفسه (وليس «حماس» فقط) كان لما قبل عام ونصف بين أشدّ الناعين على طهران تخليها عن فلسطين لصالح الانهماك في الحرب على الشعب السوري!
هل كان الخلاف إذن خلافاً بين أصدقاء، وستتبع «حماس» تنظيم الجهاد في هذا الموقف، إذا رفعت إيران منسوب الدعم لها؟ قبل عام ونيف ذهب شلَّح إلى طهران وأعلن بطريقة موارِبة عن عودة الدعم بعد أربع سنوات من الانقطاع. ولا يرجع ذلك إلى أنّ إيران عادت إلى استراتيجيات التحرير المعهودة، بقدر ما يعود (في حالة الجهاد بالذات) إلى أنّ هذه التنظيمات لديها جهاز ضخم من المقاتلين وأهاليهم، وأهالي الشهداء، والأعمال الإعلامية في لبنان وغيره، وهو جهازٌ يفترس الإمكانيات افتراساً ويحتاج إلى فرائس كل يوم. وإذا كانت «حماس» تتغطى بغزة وبالدعم القطري جزئياً، فإنّ «الجهاد» مواردها جميعاً من إيران. والمنتظر الآن أن تقوم إيران عبر الجهاديين الفلسطينيين أو عبر «حزب الله» بإطلاق صواريخ أو إجراء عمليات. والمرجح رغم تهديدات الأمين العام لـ«حزب الله» أن يقوم الفلسطينيون التابعون لإيران بهذا الواجب الجهادي، وإلا فقد يجرب «حزب الله» حظه.
أذكر أنني قرأتُ بجريدة الأهرام في الستينيات قصة لتوفيق الحكيم اسمها «حكاية الزير»، وهو مستوعَب كبير للمياه أقامه الوالي في إحدى الساحات، وأنشأ له إدارة ضخمة لإمداد الناس بالمياه العذبة. وتخربت بعد فترة تقنيات الإمداد، وبقي الزير الضخم الفارغ، وظلت الإدارة الضخمة التي أُنشئت لإدارته. إدارةُ الزير هي الباقية من منظمات التحرير التي عادت إيران لإمدادها ببعض الإمكانيات وليس المياه، ولكي يستمر الجهاز، وليس من أجل التحرير بل لكي يكون جزءاً من الدعاية الإيرانية!
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة