كواليس اللحظات الأخيرة بهدنة غزة.. مفاوضات ماراثونية قادت لانفراجة
كان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وتحرير الرهائن غزة ثمرة تعاون "لافت" بين فريقي جو بايدن ودونالد ترامب.
واعترف دبلوماسيون عرب من مصر وقطر، الوسيطين في الصفقة، لـ"تايمز أوف إسرائيل" بأن حركة حماس كانت أحياناً العقبة الرئيسية في محادثات الرهائن، لكن بنفس القدر، كان نتنياهو هو العائق — وهو أمر لم تقله واشنطن علناً حتى بعد إعلان الاتفاق يوم الأربعاء.
وقد تطلب تجاوز هذه العقبة قائداً أمريكياً يخشاه نتنياهو، وليس شخصاً يتفاخر بأنه تجاهله. وهنا دخل ترامب إلى الصورة.
دور رئيسي
وقد لعب المبعوث الأمريكي القادم إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، دوراً رئيسياً في المفاوضات في الدوحة، وفي لقاء مع نتنياهو في إسرائيل. وأكد دبلوماسيون أن الضغط الذي مارسه ويتكوف على نتنياهو في اجتماع واحد كان أكثر فاعلية من ضغوط إدارة بايدن طوال العام.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، كشف مسؤول أمريكي رفيع المستوى النقاب عن جزء مما دار في كواليس المفاوضات في الأيّام الأخيرة.
وذكر المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن هويّته أن ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي الجديد الذي اختاره الرئيس المنتخب دونالد ترامب لمنطقة الشرق الأوسط سافر قبل أربعة أيام إلى الدوحة، حيث عقدت المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل وساهم في "الجهد النهائي" إلى جانب بريت ماكغورك الذي يتولى هذا المنصب في الإدارة الديمقراطية التي تشارف نهايتها.
وفي حين كان مبعوث الرئيس بايدن يشرف على المفاوضات في قطر، "أردنا تبادل وجهات النظر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فذهب (ستيف ويتكوف) إلى إسرائيل لتولّي المهمّة".
ووفق ما أفاد المسؤول الأمريكي، تم تحقيق انفراجة بعد الاجتماع، حيث قال دبلوماسيان عربيان رفيعا المستوى لـ "تايمز أوف إسرائيل" يوم الثلاثاء إن مبعوث ترامب تمكن من الضغط على نتنياهو في اجتماع واحد أكثر مما فعلته إدارة بايدن طوال العام.
وأشار إلى أنه بغية انتزاع الاتفاق الذي أُعلن الأربعاء، تطلّب الأمر مناقشات امتدّت "18 ساعة في اليوم" أو أكثر منذ الخامس من يناير/ كانون الثاني.
الساعات الأخيرة قبل الاتفاق
في مبنى بالدوحة، كانت فرق التفاوض تعمل على مدار الساعة. جلس الفريقان الإسرائيلي والأمريكي في طابق واحد، بينما كانت وفود حماس تعمل في الطابق الأسفل، يتنقل بينهما الوسطاء القطريون والمصريون.
وأُجريت على مدار الأيام القليلة الماضية، مفاوضات دامت 18 ساعة يومياً، حيث حاول الوسطاء حل القضايا العالقة.
وعكف المفاوضون على تسوية "أدقّ التفاصيل"، سواء في قائمة المعتقلين الذين ستطلق إسرائيل سراحهم أو في ما يخصّ مواقع تمركز القوّات الإسرائيلية بعد سريان وقف إطلاق النار أو الجهود المبذولة في المجال الإنساني.
وأقرّ المسؤول الأمريكي الرفيع بأنه لم يتأكّد من أن الاتفاق سيبرم فعلا هذه المرّة إلا "في نهاية فترة بعد الظهر" بتوقيت الدوحة.
وكشف "تعمد حماس عادة إلى إقحام مسائل جديدة أو أخرى قديمة. وهم حاولوا القيام بذلك صباحا مع ثلاث نقاط. لكننا ثابرنا وأكّدوا موافقتهم في نهاية المطاف".
أخيراً، قدمت حماس قائمة تضم 33 رهينة. ومع ذلك، لم تحدد القائمة ما إذا كان جميع الأسماء على قيد الحياة، مما أدى إلى توتر إضافي في اللحظات الأخيرة.
أصر الوسطاء على أن يُعتبر تقديم القائمة أساساً كافياً لاستئناف المفاوضات، مما أتاح المجال لتوقيع الاتفاق.
ووافقت حماس على إطلاق سراح دفعة أولى من الرهائن مقابل وقف إطلاق نار لمدة أسبوع، مع احتمال تمديده بناءً على التقدم، فيما احتفظت إسرائيل بحقها في استئناف العمليات العسكرية إذا لم تلتزم حماس بالاتفاق.
عوامل حاسمة
كان نجاح إسرائيل في "تحييد" حزب الله في لبنان عاملاً حاسماً، حيث أدى إلى عزل حماس وجعلها أكثر انفتاحاً على التفاوض.
ودعمت الولايات المتحدة الحملة الإسرائيلية ضد حزب الله في سبتمبر/أيلول، والتي شملت هجمات جوية مكثفة أدت إلى مقتل قيادات رئيسية.
وشكل مقتل زعيم حماس يحيى السنوار في أغسطس/ آب نقطة تحول رئيسية، إذ توصلت واشنطن إلى أن استمراره في القيادة كان يشكل عائقاً رئيسياً أمام الاتفاق.
مستقبل الاتفاق
رغم الاتفاق، تبقى التحديات كبيرة، حيث لم يتم حتى الآن الاتفاق على إدارة غزة بعد الحرب. ولم ينجح المجتمع الدولي في تقديم بديل لحماس، مما يثير مخاوف من ظهور تمرد مسلح أو استمرار الفوضى.
سيكون هذا الملف من بين القضايا الأولى على أجندة الرئيس المنتخب ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو في المستقبل القريب.
الاتفاق بين إسرائيل وحماس لم يكن مجرد تتويج لمفاوضات شاقة، بل يعكس أيضاً التوازنات الإقليمية والدولية المعقدة. ورغم النجاح الظاهر، فإن الاتفاق يظل مؤقتاً وقابلاً للانهيار في أي لحظة إذا لم يتم معالجة القضايا الأساسية بشكل مستدام.