خبير فرنسي: رسوم الصين على أوروبا «ورقة ردع سياسي»
تعاملت الصين مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته الأخيرة إلى بكين، كشريك من الدرجة الثانية أسوةً بالاتحاد الأوروبي، ما دفعه إلى تصعيد لهجته وتهديدها بفرض رسوم جمركية إذا لم يُعاد التوازن إلى الميزان التجاري.
لكن هذه التصريحات قد تكون مجرد أمنيات لا أكثر، خصوصًا أن بكين قامت بالفعل بتحرك استباقي بفرض ضرائب تصل إلى 42.7% على منتجات الألبان الأوروبية، في رسالة واضحة وصريحة للاتحاد الأوروبي.
نهاية مرحلة الابتسامات
على مستوى البروتوكول والمظاهر الرسمية، كما في المجال التجاري، تمتلك الصين تفوقًا ملحوظًا على بقية العالم.
ومع ذلك، فإن البذخ الإمبراطوري الذي استخدم لاستقبال ماكرون في بداية الشهر ببكين لم يخدع أحدًا؛ فقد كان مجرد واجهة، تمثل اللعبة الخادعة بين الاتحاد الأوروبي والإمبراطورية الصينية، بحسب صحيفة "ليزيكو" الفرنسية.
ورغم الابتسامة الماكرة للرئيس الفرنسي شي جين بينغ، وطلب الرئيس الفرنسي منه بإعادة توازن العلاقات التجارية بين الكتلتين، والتي تمثل عجزًا أوروبياً بنحو 300 مليار يورو، لم يتحرك الرئيس الصيني قيد أنملة.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلي أن الأسوأ من ذلك، أنه خلافًا للأعراف المتبعة خلال زيارات القمة، لم يتم توقيع أي عقود كبيرة بين باريس وبكين.
واكتفى ماكرون بالعودة إلى فرنسا بوعد إعادة اثنين من الباندا العملاقين، وهو ما يعد الحد الأدنى من المكاسب الرمزية بالنسبة لأوروبا، التي شعرت بالإذلال وإعادة تصنيفها كحديقة حيوانات أو متحف أو متنزه ترفيهي.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الفرنسي الصيني (مقيم في بروكسل)، المتخصص في التجارة الدولية والعلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وآسيا، سوك لي‑ماكياما لـ"العين الإخبارية إن خطوة بكين الأخيرة تمثل رسالة استراتيجية واضحة أكثر من كونها مجرد إجراء اقتصادي تقني.
ورأى ماكياما أن فرض الضرائب على منتجات الألبان الأوروبية ليس مجرد مسألة رسوم جمركية، بل يعكس رغبة الصين في الحفاظ على تفوقها التنافسي في سلاسل التوريد الغذائية والحفاظ على ميزان تجاري ملائم لها مع أوروبا.
وأشار الخبير الاقتصادي إلي أن الاتحاد الأوروبي لطالما واجه صعوبة في فرض شروط توازن تجاري مع الصين بسبب الهيمنة الصينية في العديد من القطاعات الأساسية، خصوصًا الصناعية والزراعية.
واعتبر أن أي محاولة أوروبية لإعادة التوازن يتم مواجهتها بسرعة من بكين عبر إجراءات حماية صناعية أو تعريفات جمركية انتقامية، كما حدث مع منتجات الألبان الفرنسية.
دلالات الضريبة الجديدة على منتجات الألبان
وأشار الخبير الاقتصادي إلي أن فرض رسوم تصل إلى 42.7% على منتجات الألبان الأوروبية يبعث برسائل متعددة، أهمها ردع سياسي، موضحاً أن بكين تعلن أن أي تهديد بإعادة التوازن التجاري سيواجه بتكتيكات تجارية حازمة.
ووفقاً للخبير الاقتصادي الفرنسي الصيني، فإن الرسالة الثانية هي حماية للمنتج المحلي، معتبراً أن الخطوة لدعم المزارع الصينية ومنع انهيار أسعار منتجات الألبان المحلية بسبب الواردات الأوروبية الأرخص.
ورأى أن الرسالة الثالثة التي تريد بعثها الصين هي الإظهار القوة التفاوضية، وذلك في رسالة واضحة بأن الصين لا تعتمد على عروض أو وعود أوروبية للاتفاقيات التجارية.
تداعيات على الاقتصاد الفرنسي والأوروبي
أما عن التداعيات، فقال ماكياما أنه بالنسبة لفرنسا، هذه الضريبة تعني خسائر محتملة لمليارات اليوروهات، خصوصًا للمنتجين الصغار والمتوسطين، أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فإن هذه الخطوة تعكس استمرار العجز التجاري الكبير مع الصين، والقيود على قدرة أوروبا على فرض شروط عادلة في السوق الصينية.
التحديات السياسية والأمنية الاقتصادية
ووفقاً للخبير الاقتصادي، فإن هناك بعد سياسي وأمني لهذه الخطوة؛ إذ يعكس تصعيد بكين تجاه أوروبا رغبة في فرض الهيمنة التجارية والاستراتيجية، مع إمكانية استخدام العقوبات التجارية كأداة ضغط سياسية.
وأشار إلي أنه بالنسبة لماكرون والاتحاد الأوروبي، فإن التحرك الفردي لن يحقق توازنًا، بل يحتاج إلى استراتيجية جماعية أوروبية واضحة وموحدة.
واعتبر أن فرض الصين لضرائب مرتفعة على منتجات الألبان الأوروبية ليس مجرد عقوبة اقتصادية، بل خطوة تكتيكية استراتيجية تثبت أن أوروبا ما زالت في موقع الطرف الأضعف في ميزان القوى التجاري مع بكين.
وتابع:" إذا أرادت فرنسا والاتحاد الأوروبي تحقيق توازن حقيقي في العلاقات التجارية مع الصين، فإن الحل لا يكمن في التصريحات وحدها، بل في بناء قوة اقتصادية وتنافسية أوروبية مشتركة، وتعزيز التكتلات الأوروبية داخل أسواق الصين وخارجها، مع تطوير أدوات ضغط تجارية فعالة ومستدامة".