أبنية بيروت التراثية.. ما سلم من الهدم دمّره "انفجار المرفأ"
من بين المباني التراثية المتضررة ما يعرف بـ"البيت الأصفر" أو "مبنى بركات" الواقع في منطقة "السوديكو" المحاذية لمنطقة الأشرفية.
لم تسلم الأبنية التراثية في بيروت من هول الانفجار الذي هزّ العاصمة يوم "الثلاثاء الأسود" وحوّلها إلى خراب.
هذه الأبنية التي سبق أن دُمّر عدد منها وكان القسم المتبقي مهدداً بالتدمير في غياب أي خطة من الدولة اللبنانية للمحافظة عليها، أتى انفجار المرفأ ليقضي على بعضها ويحولها ركاماً أو يدمّر جزءاً منها، خاصة أن عدداً كبيراً منها يتوزع في مناطق قريبة من موقع الانفجار.
ففي منطقة الأشرفية التي كان لمبانيها حصة من أضرار الانفجار، يستوقفك أحد الأبنية التراثية الذي تدمر كلياً، مشهد كان كفيلاً بجذب كاميرات عدد من السياح والصحفيين.
هذا المبنى هو واحد من عشرات الأبنية التراثية في الأشرفية ومحيطها، التي لم يرحمها الانفجار بعصفه الشديد الذي بلغ 4.5 على مقياس ريختر، قوة كانت كفيلة بإحداث تدمير جزئي أيضاً لمبنى آخر لم يصمد أمام قوة الانفجار شأنه شأن مئات اللبنانيين الذي سقطوا بين قتيل وجريح ومفقود.
وفي إحدى الشوارع المتفرعة من شارع الجميزة الرئيسي في وسط بيروت، نشطت مجموعات شبابية (شباناً وشابات) لا تتجاوز أعمارهم الـ30 عاماً- وبمبادرات ذاتية- لإزالة الركام من أمام أحد المباني التراثية القديمة وبأدوات بدائية بينها المكانس والعربات الصغيرة".
ويقول بيار (26 عاماً) وملامح الحزن والأسى على وجهه: "لن ننتظر الدولة لتقدم المساعدة لنا، فالاعتماد على أنفسنا أساس النجاح، اليوم حملة تنظيف وغداً سنبدأ بالتواصل مع بعض الجهات التي يمكنها أن تساعدنا قدر الإمكان في إعادة إصلاح هذا المبنى الذي يملكه عمي بعدما كنا قد دفعنا أموالاً لإصلاحه قبل سنوات قليلة".
البيت الأصفر لم يسلم أيضاً
ومن بين هذه المباني التراثية المتضررة ما يعرف بـ"البيت الأصفر" أو "مبنى بركات" الواقع في منطقة "السوديكو" المحاذية لمنطقة الأشرفية، والذي لحقت به أضرار محدودة في المنشآت ولا سيما في النوافذ والأبواب إضافة إلى الألواح الخشبية المثبتة في محيطه.
هذا المبنى الذي يعتبر من أبرز وأهم المباني الأثرية في بيروت حيث يعود تشييده إلى عام 1924 على يد المهندس المعماري اللبناني يوسف أفندي أفطيموس، والذي كان حريصاً أن يترك فراغاً في وسطه، ثم أضيف إليه طابقين بناهما المهندس المعماري فؤاد قزح الذي استعمل الباطون "الخرسانة" كدلالة على تطور العمارة من الحجر الرملي إلى الباطون في عشرينيات القرن الماضي.
وبعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 استملكت بلدية بيروت هذا المبنى ليتحول إلى متحف لذاكرة مدينة بيروت بما فيها الـ15 سنة حرب.
مع العلم أنه من بين 1200 منزل أثري انتشر بين شوارع وأحياء العاصمة لم يبق منها اليوم أكثر من 250 منزلاً وبعضها على طريق الهدم والزوال لأسباب ربحية وتجارية دون وجود حسيب أو رقيب يمنع هدم هذه البيوت ومحو الوجه المعماري والتراثي للعاصمة.
وذلك في ظل مشروع قانون لا يزال يقبع في أدراج المجلس النيابي، بعدما كان مجلس الوزراء قد أقر مشروع قانون لحماية المواقع والأبنية التراثية في لبنان عام 2017، وتم تحويله إلى اللجان المختصة في مجلس النواب مطلع 2018 لدراسته، تمهيداً لإحالته إلى الهيئة العامة وإقراره.
انتظار المساعدات
قال مختار منطقة الصيفي (في وسط بيروت) إلياس خياط لـ"العين الإخبارية": "نقوم بمسح الأضرار التي لحقت بالمباني ومن بينها الأبنية التراثية"، مؤكداً أن الكبيرة منها بحاجة إلى دعم مالي خارجي لأن لبنان بات بلداً مفلساً "ولا أمل لدينا بأن تقوم الدولة حالياً بعمليات المسح أو الترميم".
بدوره شدد مختار منطقة المدور (في الأشرفية) أحمد دعيبس على أن عمر بعض هذه الأبنية التراثية يفوق المئة عام (منذ عام 1890)، لافتاً إلى أن المحافظ ورئيس بلدية بيروت يوليان الملف اهتماماً كبيراً وينظران في التعويضات المتوجبة.
أما من الناحية المعمارية والهندسية فأبدى المهندس المعماري جوزيف أنجا استغرابه حيال فكرة دفع الدولة تعويضات لأصحاب هذه الأبنية متسائلاً: "هل يعقل في الحالة التي يتخبط بها لبنان أن يقوم بالتعويض أو بإعادة الترميم؟، وهل هناك دولار واحد في خزينة الدولة؟".
وأضاف: "حتى لو قامت الدولة بعمليات الكشف على الأضرار التي لحقت بهذه المباني فالأمور ستتوقف هنا لا أكثر".