دواء للتخسيس يفتح قناة سرية بين واشنطن وأقرب حلفاء بوتين
في واحدة من أكثر حلقات الدبلوماسية الأمريكية غرابة منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تحوّل دواء لإنقاص الوزن إلى مفتاح غير متوقع لفتح قناة اتصال مع أحد أكثر الأنظمة الحليفة لروسيا في أوروبا.
فعلى طاولة عشاء فاخرة في مينسك، وجد المبعوث الأمريكي جون بي. كويل نفسه يتفاوض مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، أقرب حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي منعطف غير متوقع، تطرق الحديث خلال إحدى الجلسات إلى موضوع شخصي: زيادة الوزن.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، أعرب لوكاشينكو، البالغ من العمر 71 عاماً، عن فضوله حيال سرّ رشاقة المبعوث الأمريكي جون كويل. وكان الرد مدعوماً بحقيبة: دواء "زيب باوند" لإنقاص الوزن.
لم تكن هذه المبادرة عفوية، بل جاءت نتيجة تفكير مسؤولي الإدارة الأمريكية في إيجاد سبل لكسب ود الزعيم البيلاروسي، حتى وإن تطلب الأمر الاهتمام برغبته الشخصية في إنقاص وزنه.
لم تكن تلك مجرد لحظة عابرة، بل كانت انعكاس لنهج دبلوماسي شخصي وغير تقليدي بات يميز إدارة ترامب في تعاملها مع قادة دوليين.
كان لوكاشينكو، الذي يصف نفسه بأنه «آخر ديكتاتور في أوروبا»، يسعى إلى تخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاعات حيوية في بلاده، وفي مقدمتها البوتاس وصناعة الطيران، مقابل ما يملكه من ورقة تفاوضية أساسية: السجناء السياسيون.
أما واشنطن، فكانت ترى في هذه المقايضة اختبارًا أوليًا لاستراتيجية أوسع تهدف إلى كسر عزلة موسكو، وربما دفع بوتين نفسه نحو تسوية سلمية للحرب في أوكرانيا.
وقال كويل، المحامي المخضرم والمقرّب من ترامب، إن بناء علاقة شخصية مع لوكاشينكو يعكس «نهجًا ترامبيًا خالصًا» في السياسة الخارجية، يقوم على التعامل المباشر مع من يملكون القدرة على تحقيق النتائج، بغض النظر عن سجلهم السياسي أو الحقوقي.
وأضاف: «لا يهم مع من تتحدث، المهم أن يكون قادرًا على تلبية ما تريده».
وخلال الأشهر الماضية، بدأت هذه القناة غير المعلنة تؤتي ثمارها، فقد أفرجت بيلاروسيا عن أكثر من 250 سجينًا سياسيًا من أكثر من 10 دول، بينهم ما لا يقل عن 5 أمريكيين، في واحدة من أكبر عمليات إطلاق السراح منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
وشملت الدفعات الأخيرة شخصيات بارزة، من بينها الحائز على جائزة نوبل للسلام أليس بيالياتسكي، والمعارضة ماريا كاليسنيكوفا.
في المقابل، بدأت واشنطن بتقديم حوافز اقتصادية ملموسة، شملت رفع العقوبات عن صادرات البوتاس، المصدر الأساسي للعملة الصعبة في بيلاروسيا، وسمحت لشركة بوينغ بتزويد شركة الطيران الحكومية «بيلافيا» بالبرمجيات وقطع الغيار، إلى جانب الشروع في إصلاح الطائرة الرئاسية في خطوة طال انتظارها.
وتأمل إدارة ترامب أن يشكّل هذا النموذج مثالًا لما يمكن أن يُعرض لاحقًا على روسيا نفسها.
وتحوّل لوكاشينكو، الذي كان منبوذًا دوليًا بعد قمعه احتجاجات 2020 وسجن عشرات الآلاف، إلى وسيط غير متوقع في ملفات دولية أخرى. فقد قدّم نصائح لواشنطن حول كيفية التعامل مع بوتين، وساهم في تشجيع عقد القمة الأمريكية الروسية في ألاسكا.
كما عرض استقبال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في مينسك، وانتقد خصوم الولايات المتحدة، بمن فيهم الصين، التي تربطه بها علاقات وثيقة.
لكن هذا الانفتاح أثار قلقًا واسعًا لدى حلفاء واشنطن الأوروبيين والمعارضة البيلاروسية. فرغم الترحيب بإطلاق سراح السجناء، يخشى كثيرون أن يتحول الأمر إلى «سوق رهائن» يمنح لوكاشينكو شرعية دولية ومكافآت اقتصادية مقابل الإفراج التدريجي عن المعتقلين.
وقالت زعيمة المعارضة المنفية سفيتلانا تسيخانوفسكايا إن مشاعرها «مختلطة»، مضيفة: «لوكاشينكو مستعد لبيع الناس طالما أن هناك من يدفع الثمن».
وسط هذه الخلفية، برز دور جون كويل كوسيط غير تقليدي، فالرجل، الذي لم يكن يعرف الكثير عن بيلاروسيا قبل تكليفه بالمهمة، أصبح خلال أشهر ضيفًا دائمًا على القصر الرئاسي في مينسك. وخلال لقاءات مطوّلة مع لوكاشينكو، مزجت النقاشات بين السياسة والفودكا والنكات، فيما كانت صفقات الإفراج عن السجناء تُنسج بعيدًا عن الأضواء.
ومع كل دفعة إفراج، كانت العقوبات تُخفف تدريجيًا. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، أُطلق سراح 52 سجينًا، وتبعتها خطوة أمريكية برفع القيود عن شركة الطيران الوطنية في بيلاروسيا.
وفي ديسمبر/كانون الأول الجاري، أُفرج عن 123 معتقلًا إضافيًا، قبل أن تخفف وزارة الخزانة العقوبات عن 3 شركات بوتاس تمثل نحو 4 %من الناتج المحلي الإجمالي لبيلاروسيا.
غير أن هذه «الصفقة الكبرى» لم تخلُ من تقلبات. فبعد أيام من آخر جولة، أعلن لوكاشينكو أن بلاده لم تعد بحاجة إلى طائرات بوينغ، كاشفًا عن اتفاق مع بوتين لشراء طائرات روسية بدلًا منها، في تذكير صارخ بأن تحالفه مع موسكو لا يزال ثابتًا.