برلين تتحدى عمالقة التكنولوجيا.. ضريبة رقمية جديدة لإرساء «نظام أكثر عدالة»

في خطوة قد تثير توترات تجارية جديدة عبر الأطلسي، تخطط ألمانيا لفرض ضريبة جديدة على عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل وميتا، في محاولة «لإرساء العدالة الضريبية» بين المنصات الرقمية العملاقة ووسائل الإعلام التقليدية.
وترى الحكومة الألمانية أن الوقت قد حان لـ"تصحيح ميزان القوة" في السوق الإعلامية، وتحقيق توازن اقتصادي في مواجهة احتكار المنصات الرقمية للمداخيل الإعلانية، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
ألمانيا تتحرك لضبط السوق الرقمية
تدرس ألمانيا فرض ضريبة على مداخيل الإعلانات الرقمية التي تحققها الشركات التكنولوجية الكبرى، وعلى رأسها شركتا غوغل وميتا الأمريكيتان.
وقال وزير الشؤون الرقمية وتحديث الدولة فيليب آمثور لصحيفة "دي ويلت" الألمانية يوم الجمعة إن الوقت مناسب "للتحرك سريعًا من أجل خلق نظام أكثر عدالة"، معتبرًا أن عمالقة التكنولوجيا "يتقنون التحايل الضريبي في ألمانيا"، في حين "يتم فرض الضرائب على الحرفيين والشركات الصغيرة من دون استثناء".
- خوارزمية ذكية تنقذ «الطائر الغامض» من الانقراض
- شركات التكنولوجيا الصينية تدشن الكفاح الأكبر.. ذكاء اصطناعي بلا «إنفيديا»
نحو ضريبة بـ10% على عمالقة الإعلانات الرقمية
من جانبه، كشف وزير الإعلام والثقافة "فولفغانغ فايمر" عن مشروع قانون قيد الإعداد لفرض ضريبة بنسبة 10% على الإيرادات الإعلانية التي تجنيها هذه المنصات داخل ألمانيا.
وفي حديثه إلى صحيفة Süddeutsche Zeitung، أوضح فايمر أن هذه الشركات "استفادت بشكل كبير من الأداء الإعلامي والثقافي، والبنية التحتية الرقمية لألمانيا"، مشيرًا إلى شركات مثل Alphabet (الشركة الأم لغوغل)، وMeta (فيسبوك)، ومنصات أخرى.
ويأتي هذا التحرك ضمن برنامج الحكومة الجديدة بقيادة المحافظ فريدريش ميرتس، المتحالفة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والتي وعدت بإعادة التوازن إلى السوق الإعلامية من خلال هذه الضريبة. وستُخصص إيرادات الضريبة لدعم وسائل الإعلام الألمانية التقليدية، المتأثرة بانهيار السوق الإعلانية لصالح المنصات الرقمية.
النموذج النمساوي.. مصدر إلهام
قال فايمر، وهو صحفي سابق تولى رئاسة تحرير عدد من الصحف الألمانية، إنه مستعد لبدء حوار مباشر مع الجهات الإعلامية لتوضيح أهداف المشروع.
وأضاف أن ألمانيا تستلهم تجربتها من النمسا، التي فرضت في عام 2020 ضريبة بنسبة 5% على مداخيل عمالقة التكنولوجيا الإعلانية.
وأكد الوزير أن الأمر ملحّ، لأن ألمانيا أصبحت "تعتمد بشكل خطير على البنية التحتية التكنولوجية الأمريكية"، محذرًا من مخاطر الاحتكار الرقمي على تنوع المشهد الإعلامي وحرية التعبير.
وأشار إلى واقعة رمزية، حيث أقدم غوغل على تغيير اسم "خليج المكسيك" إلى "خليج أمريكا" تحت ضغط مرسوم أمريكي مثير للجدل وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معتبرًا أن هذا النوع من الهيمنة "يمسّ السيادة اللغوية والثقافية".
دعم نقابي واسع للفكرة
رحّب اتحاد الخدمات الألماني Ver.di بالفكرة، معتبرًا أن فرض "ضريبة رقمية" من شأنه أن يبدأ أخيرًا في إعادة التوازن بين عمالقة التكنولوجيا والمؤسسات الإعلامية التقليدية، التي تعاني من تقلص الحصص الإعلانية.
وترى ألمانيا أنها ليست وحدها في هذا المسار؛ فـفرنسا ودول أوروبية أخرى سبقتها إلى طرح ضريبة رقمية خاصة بها. ومع تعثر مفاوضات فرض ضريبة أوروبية موحدة، تعود هذه الفكرة اليوم إلى الواجهة، لا سيما منذ أن قامت إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية انتقامية ضد دول أوروبية تبنّت مشاريع مماثلة.
بين رغبة في تحقيق العدالة الضريبية، وتحرّك لحماية الإعلام التقليدي، واستراتيجية تقليص الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية، تبدو ألمانيا مستعدة لتحدي عمالقة وادي السيليكون.