«المجمع».. أكبر بنية تكنولوجية في العالم تعلن الإمارات عاصمة للذكاء الاصطناعي

في خضم طفرة الذكاء الاصطناعي، تبرز قوة الحوسبة كأحد أهم الموارد في هذا العصر، وهو ما يعني حاجة متزايدة عالميا لمراكز بيانات فائقة، تتجاوز مشاكل نقص التمويل الاستثماري، والوصول للرقائق المتطورة، وتوفير الطاقة الكافية، وهو ما حققته الإمارات بشكل كامل وشامل.
ففي خطوة جديدة تؤكد طموحاتها في التحول إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي، أعلنت دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية عن إطلاق مشروع مشترك لإنشاء "مجمع الذكاء الاصطناعي" في العاصمة أبوظبي، بطاقة استيعابية تصل إلى 5 غيغاواط.
والمشروع الذي جرى الإعلان عنه خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أبوظبي، جاء بعد شهور من التنسيق المكثف بين شركات تكنولوجيا أمريكية كبرى ومسؤولين إماراتيين، لضمان توفير الشرائح الإلكترونية المطلوبة لدفع عجلة تطور الذكاء الاصطناعي في الإمارات، يُعد الأضخم من نوعه خارج الأراضي الأمريكية بسعة تشغيلية تبلغ 5 غيغاوات.
أكبر بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في العالم
وفقا لتقديرات تقديرات لينارت هايم المحلل لدى مؤسسة "راند"، فإن مشروع المجمع هو أضخم بنية ذكاء اصطناعي في العالم تم الإعلان عنها حتى الآن، إذ أن مجمع للذكاء الاصطناعي المعلن سيكون بمساحة 10 أميال مربعة في أبوظبي، ومدعوم بقدرة 5 غيغاواط من الطاقة - وهي طاقة كافية لدعم حوالي 2.5 مليون شريحة B200 الرائدة من إنفيديا.
ونشر هايم إحصائية أوضحت أن حتى مشروع "ستارغيت" الضخم الذي أعلنت عنه "أوبن إيه آي" مؤخرا في أمريكا كأكبر مركز بيانات في العالم، يأتي بسعة 4.5 غيغاوط ويستوعب 2.25 مليون شريحة من B200 الرائدة من إنفيديا.
ووفق صحيفة "الغارديان"، ستمنح اتفاقية بناء المجمع، الإمارات وصولًا أوسع إلى شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وقالت مصادر لرويترز إنه قد يُسمح للإمارات باستيراد 500 ألف شريحة من أكثر شرائح الذكاء الاصطناعي تطورًا من إنفيديا سنويًا بدءًا من عام 2025.
وقال محمد سليمان، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط للصحيفة: "يُمكّن هذا التحوّل الإمارات من تعميق شراكتها التكنولوجية مع الولايات المتحدة مع الحفاظ على علاقاتها التجارية مع الصين".
وأضاف: "هذا لا يعني التخلي عن الصين، بل يعني إعادة ضبط استراتيجية التكنولوجيا لتتماشى مع المعايير والبروتوكولات الأمريكية في المجالات الأكثر أهمية: الحوسبة، والحوسبة السحابية، وسلاسل توريد الرقائق".
استثمارات تخدم الجنوب
وسيوفر المجمع، الذي سيُبنى ويُشغّل من قبل شركة "جي 42" بالشراكة مع شركات أمريكية، قدرة ضخمة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، تتيح للشركات الأمريكية تقديم خدمات حوسبة سحابية عالية الأداء تخدم المنطقة والعالم، خصوصاً دول الجنوب العالمي.
وبحسب تحليل لمؤسسة "ماكينزي"، فإن الاتجاهات الحالية إلى أن الطلب العالمي على سعة مراكز البيانات قد يرتفع بمعدل سنوي يتراوح بين 19% و22% بين عامي 2023 و2030 ليصل إلى طلب سنوي يتراوح بين 171 و219 غيغاواط.
وهناك سيناريو أقل احتمالاً، وإن كان لا يزال ممكناً، يتوقع ارتفاع الطلب بنسبة 27% ليصل إلى 298 غيغاواط، مما يزيد من احتمال حدوث عجز كبير في العرض. ولتجنب هذا العجز، يجب بناء ما لا يقل عن ضعف سعة مركز البيانات التي بُنيت منذ عام 2000 في أقل من ربع المدة.
يأتي ذلك بينما تعمل ملايين الخوادم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لمعالجة النماذج الأساسية وتطبيقات التعلم الآلي التي تدعم الذكاء الاصطناعي. وتُعرف الأجهزة والمعالجات والذاكرة والتخزين والطاقة اللازمة لتشغيل هذه المراكز مجتمعةً بقوة الحوسبة، وهناك حاجة ماسة للمزيد منها.
حل معضلة الطاقة
من المنتظر أن يستخدم المشروع مزيجاً من الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، وطاقة الغاز، بما يقلل من الانبعاثات الكربونية، في إطار توجهات التنمية المستدامة.
وتتوقع شركة غولدمان ساكس للأبحاث أن يزداد الطلب العالمي على الطاقة من مراكز البيانات بنسبة 50% بحلول عام 2027، وبنسبة تصل إلى 165% بحلول نهاية العقد (مقارنةً بعام 2023)، وفقًا لما كتبه جيمس شنايدر، كبير محللي أبحاث الأسهم في قطاع الاتصالات والبنية التحتية الرقمية وخدمات تكنولوجيا المعلومات في الولايات المتحدة، في تقرير الفريق.
كما سيضم المجمع مركزاً علمياً متقدماً للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، ويمثل هذا المشروع ثمرة "شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي" التي تم إطلاقها بين الحكومتين الإماراتية والأمريكية لتعزيز التعاون في التقنيات المتقدمة وتنظيم الوصول الآمن والمنضبط لخدمات الحوسبة المتطورة.
أهمية المشروع
يشكل المجمع جوهر مشروع مشترك أعلن عنه أيضاً من خلال التنسيق الوثيق بين شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى ومسؤولين إماراتيين، بهدف ضمان توافر الشرائح الإلكترونية الضرورية (الرقاقات) لدفع عجلة الابتكار.
قال الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، رئيس مجلس إدارة مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، إن المجمع يمثل نموذجاً للتعاون المستمر والبناء بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي.
وأضاف أنه يجسد التزام دولة الإمارات بتعزيز آفاق الابتكار والتعاون العالمي، ويرسخ مكانتها كمركز رائد للأبحاث المتطورة والتنمية المستدامة، بما يحقق مصلحة البشرية جمعاء.
كما أكد وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، أن الاتفاق يتضمن "ضمانات أمنية قوية لمنع تسريب التكنولوجيا الأمريكية إلى جهات غير مصرح لها"، واصفاً المشروع بأنه شراكة تاريخية في الشرق الأوسط في مجال الذكاء الاصطناعي تعزز الاستثمارات الكبيرة في أشباه الموصلات ومراكز البيانات في البلدين.
رؤية طموحة في الذكاء الاصطناعي
من جانبه، قال خبير تكنولوجيا المعلومات محمود فرج، إن إقامة مجمع ذكاء اصطناعي بهذا الحجم في أبوظبي يعكس إدراك الإمارات لأهمية البنية التحتية التكنولوجية القوية في قيادة اقتصادات المستقبل.
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الشراكة مع الولايات المتحدة لا تتيح فقط الوصول إلى أحدث الشرائح والعتاد التقني، بل تمنح الإمارات أيضاً مكانة استراتيجية في خارطة الذكاء الاصطناعي العالمي، خصوصًا في ظل التحديات الجيوسياسية والتجارية القائمة على التكنولوجيا.
وأشار إلى أن المشروع يمثل خطوة طموحة نحو مستقبل تقوده التقنية والتحول الرقمي، ويضع الإمارات في موقع متقدم ضمن خارطة الذكاء الاصطناعي العالمية.
وتعد الإمارات من الدول السباقة في تبني الذكاء الاصطناعي، إذ كانت أول دولة تعيّن وزيراً للذكاء الاصطناعي عام 2017، وأطلقت في العام ذاته أول استراتيجية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي.
كما أسست عام 2019 جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، ما يعكس التزاماً واضحاً بتحويل هذا القطاع إلى أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.
ضخ الاستثمارات.. تحرك مبكر كالعادة من الإمارات
يُظهر بحث لمؤسسة "ماكينزي" أنه بحلول عام 2030، من المتوقع أن تحتاج مراكز البيانات إلى 6.7 تريليون دولار أمريكي حول العالم لمواكبة الطلب على قوة الحوسبة.
ومن المتوقع أن تتطلب مراكز البيانات المجهزة للتعامل مع أحمال معالجة الذكاء الاصطناعي 5.2 تريليون دولار أمريكي من النفقات الرأسمالية، بينما من المتوقع أن تتطلب مراكز البيانات التي تُشغّل تطبيقات تكنولوجيا المعلومات التقليدية 1.5 تريليون دولار أمريكي من النفقات الرأسمالية.
وإجمالاً، يُقدر هذا بنحو 7 تريليونات دولار أمريكي من النفقات الرأسمالية المطلوبة بحلول عام 2030، وهو رقم مذهل بكل المقاييس.
ويشير هذا بوضوح إلى أن الإمارات تحركت مبكرا كعادتها ووفرت جزءا من الاستثمارات المطلوبة للحفاظ على موقع رائد في طفرة الذكاء الاصطناعي العالمي.