تشهد علاقة دولة الإمارات وأمريكا تطوراً نوعياً في مجال التعاون الفضائي، حيث باتت الشراكة بين البلدين نموذجاً متميزاً للتعاون العلمي والتكنولوجي في استكشاف الفضاء.
ويعكس هذا التعاون المشترك الطموح المشترك لتطوير تقنيات فضائية متقدمة واستكشاف الكواكب، بما يدعم الأهداف الاستراتيجية لكلا البلدين في بناء مستقبل معرفي مستدام وتحقيق إنجازات تاريخية في هذا القطاع الحيوي.
وفي هذا الإطار، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، خلال مباحثاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قصر الوطن بأبوظبي، الخميس 15 مايو/ أيار 2025، عمق هذه الشراكة الاستراتيجية في قطاع الفضاء، مشيراً إلى دور الولايات المتحدة كشريك أساسي للإمارات في مشاريع استكشاف المريخ وحزام الكويكبات.
وأضاف أن مركبة الفضاء الأمريكية "أبوللو 17" حملت علم الإمارات في رحلتها إلى القمر، ما يعكس عمق العلاقة التاريخية والرمزية بين البلدين في هذا المجال.
في سياق متصل، قدم رائد الفضاء الدكتور سلطان سيف النيادي وزير دولة لشؤون الشباب بالإمارات شرحاً مفصلاً للرئيس الأمريكي حول إنجازات الإمارات في علوم الفضاء، مما يعكس تطور القطاع الإماراتي رغم حداثته، بفضل شراكات دولية استراتيجية كان للولايات المتحدة الدور الأبرز فيها.
ويشكل قطاع الفضاء أحد المحاور الأساسية للتعاون بين الإمارات والولايات المتحدة، حيث تحولت الشراكة بين البلدين إلى نموذج للتعاون الدولي في الابتكار والاستكشاف العلمي.
وتتمثل أهداف التعاون في دعم الاستكشاف السلمي للفضاء، وتعزيز السلامة والأمن الفضائي، وتوسيع نطاق البحث العلمي، إضافة إلى تطوير تقنيات تسهم في تحسين جودة الحياة على الأرض.
بدأ التعاون الفضائي بين الإمارات وأمريكا رسميًا في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حين انضمت الإمارات كعضو مؤسس لاتفاقية "آرتميس" التي تهدف إلى خلق بيئة آمنة وشفافة للأنشطة الفضائية العلمية والتجارية، حيث اعتبرت وكالة "ناسا" الإمارات نموذجاً رائداً في المنطقة لامتلاكها برنامج فضائي وطني واعد وقوانين تشريعية محفزة للنمو.
وتطور التعاون ليشمل مشاريع استراتيجية مثل برنامج استكشاف المريخ، ومهمة استكشاف حزام الكويكبات التي تهدف لدراسة سبعة كويكبات رئيسية، والتي ستُطلق في مارس/ آذار 2028 عبر المركبة الفضائية «MBR Explorer» بالتعاون مع ستة شركاء أمريكيين من جامعات ومؤسسات بحثية، منهم جامعة أريزونا وجامعة كولورادو بولدر، اللتين ساعدتا سابقاً في تطوير مسبار الأمل الإماراتي.
كما شاركت الولايات المتحدة مع الإمارات ودول أخرى في التزام عالمي لدعم أجندة المناخ خلال قمة كوب 28، معززة جهود البحث والتطوير في المجال المناخي من خلال برامج فضائية متخصصة.
وفي إنجاز نوعي آخر، انضمت الإمارات رسمياً في بداية 2025 إلى اتفاقية "المحطة الفضائية القمرية" إلى جانب الولايات المتحدة واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي، لتصبح أول دولة عربية تشارك في هذا المشروع العلمي العالمي، تمهيداً لإرسال أول رائد فضاء إماراتي عربي إلى القمر.
مهام ومشاريع نوعية عززت مكانة الإمارات في الفضاء
وفي 2024 رسخت دولة الإمارات مكانتها كأحد أبرز الدول الفاعلة في مجال الفضاء وعلومه، عبر جملة من المهام والمشاريع والبرامج الطموحة ذات الأثر الإيجابي على البشرية جمعاء.
وواصل قطاع الفضاء الإماراتي استكمال البناء على ما حققه من إنجازات خلال الأعوام الماضية، عبر كوادر وطنية مؤهلة تقود طموحات الدولة في هذا المجال نحو آفاق لا حدود لها.
واستهلت الإمارات 2024 بالإعلان عن انضمامها إلى مشروع تطوير وإنشاء محطة الفضاء القمرية “Gateway” إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى إعلانها إرسال أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى مدار القمر.
وستتولى الإمارات مسؤولية تشغيل وحدة معادلة الضغط الخاصة بالمحطة لمدة قد تصل إلى 15 عامًا قابلة للتمديد.
وأنجزت مهمة الإمارات لاستكشاف حزام الكويكبات، مراجعة التصميم الأولي للمهمة خلال الفترة من 19 إلى 21 فبراير/ شباط الماضي، التي تعتبر مرحلة رئيسية في ضمان نجاح وأمان المهمة الفضائية، إلى جانب تسليط الضوء على آخر التفاصيل والمستجدات حولها.
ووقعت وكالة الإمارات للفضاء اتفاقية مع شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة، لتوفير خدمات الإطلاق باستخدام الصاروخ الحامل H3 عام 2028 للمركبة "المستكشف محمد بن راشد" لمهمة الإمارات لاستكشاف حزام الكويكبات، أحد أضخم المشاريع الوطنية الإماراتية في مجال الفضاء.
من جانبها أعلنت وزارة الطاقة والبنية التحتية، إطلاق مشروع الاسطرلاب الفضائي بالتعاون مع مركز محمد بن راشد للفضاء.
ويستهدف المشروع، توظيف تقنية الأقمار الصناعية والصناعات المتقدمة والذكاء الصناعي، واستغلال إمكانيات وريادة الإمارات في تتبع والرقابة على القطاع البحري، ورفع كفاءة وفاعلية عمليات تحديد مواقع السفن وعرض حالة البحر والأحوال الجوية.
وواصل "مسبار الأمل الإماراتي" مهامه العلمية، الهادفة لتحقيق فهم أعمق لأسرار كوكب المريخ، وكشف الغموض المحيط به، إذ نشر ملاحظات لشفق الجانب المظلم للمريخ، وقدم مساهمة علمية قيمة لفهم كيف يفقد المريخ مياهه حاليا، كما وفر الخرائط اليومية للغبار والجليد على مدار عام مريخي كامل.
بدوره أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء، عن بدء ثاني دراسة إماراتية لمحاكاة الفضاء، وهي جزء من بحوث محاكاة مهمات الاستكشاف البشرية "هيرا" التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا".
كما أعلن المركز، بالتعاون مع كليات التقنية العليا، عن بدء العمل على تطوير القمر الاصطناعي HCT-Sat 1، وهو قمر اصطناعي نانومتري مخصص لرصد الأرض، مساحته U1، وبأبعاد 10 10 x 10 x سم.
وفي يوليو الماضي، وقّعت شركة الياه سات للاتصالات الفضائية (الياه سات)، عقدا مع شركة " سبيس إكس" لإطلاق قمريها الصناعيين الجديدين والمتطورين من أقمار المدار الأرضي الثابت "الياه 4" (AY4) و"الياه 5" (AY5)، باستخدام مركبة الإطلاق فالكون 9.
وتُعدّ الاتفاقية خطوة مهمة في برنامج تطوير القمرين الصناعيين بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 3.9 مليار درهم (1.1 مليار دولار)، ويشمل ذلك المركبة الفضائية والبنية التحتية الأرضية والإطلاق والتأمين.
وفي أغسطس الماضي، أعلنت بيانات، المزود لحلول التقنيات الجيومكانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وشركة الياه للاتصالات الفضائية، عن نجاح إطلاق أول أقمار البرنامج الفضائي الإماراتي الطموح لرصد الأرض، حيث تم إطلاق القمر الصناعي للرادار ذي الفتحة التركيبية (SAR) إلى المدار الأرضي.
وفي ديسمبر الجاري، أعلنت "سبيس 42" الإماراتية و "آيس آي" العالمية، عن إنشاء مشروع مشترك لتصنيع الأقمار الاصطناعية الرادارية (SAR) في الإمارات.
واعتمد مجلس الوزراء، في أكتوبر الماضي، قراراً بإنشاء مجلس دائم بمسمى "المجلس الأعلى للفضاء" الذي سيتولى اعتماد كل من السياسة العامة لتنظيم قطاع الفضاء والأنشطة الأخرى ذات الصلة بالقطاع، والأولويات الوطنية للدولة في قطاع الفضاء وتحديد التقنيات المستهدفة بما يضمن السيادة التكنولوجية للدولة في هذا القطاع.
وبتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وبمناسبة الاحتفال بعيد الاتحاد الـ 53، منح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أوسمة الفضاء لخمسة من أبناء الوطن تقديراً لدورهم في النهوض بقطاع الفضاء في الدولة.
واستضافت الإمارات يومي 10 و11 ديسمبر الماضي، النسخة الثانية من حوار أبوظبي للفضاء بحضور 1000 مشارك من صانعي القرار والسياسات وممثلي صناعة الفضاء والأوساط الأكاديمية والجهات الفضائية الناشئة من القطاعين العام والخاص، لمناقشة التحديات والفرص في هذا القطاع الحيوي، ودفع مجتمع الفضاء الدولي للتحول من مرحلة الحوار إلى التطبيق، من خلال ترجمة النقاشات إلى التزامات وسياسات تسهم في استدامة مستقبل الفضاء.