الطباعة ثلاثية الأبعاد تقتحم صناعات الفضاء.. ثورة تتجاوز «الصهر واللحام»
باستخدام مساحيق معدنية

أحدثت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد تغييرًا جذريًا في مجال الصناعات الفضائية عندما كشفت شركة "روكيت لاب" عن محركها "رذرفورد" خلال ندوة الفضاء الـ31 في كولورادو.
وقد بدا المحرك للوهلة الأولى كأي محرك صاروخي تقليدي، لكنه، في الحقيقة، كان يمثل ثورة تكنولوجية. فبدلاً من صناعته باستخدام طرق التصنيع التقليدية من صهر وتشكيل ولحام المعادن، تم تصنيع "رذرفورد" باستخدام تقنية التصنيع الإضافي، المعروفة أيضًا بالطباعة ثلاثية الأبعاد.
وتُبنى هذه الأجزاء من خلال طبقات متتالية من مسحوق المعادن، وتشمل مكونات معقدة مثل الصمامات والحقن والمضخات وغرفة الاحتراق.
تغير جذري
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست قال بيتر بيك، مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي، إن هذه التقنية "تُحدث تغييرًا جذريًا"، مشيرًا إلى أن معظم محركات الصواريخ الحديثة تحتوي على أجزاء مصنوعة بالطباعة ثلاثية الأبعاد.
و"روكيت لاب"، ومقرها في لونغ بيتش، كاليفورنيا، شركة فضائية متكاملة تصمم وتصنع كل شيء من الأقمار الصناعية إلى الصواريخ. ويُعتبر صاروخ "إلكترون"، وهو صاروخ مداري قابل لإعادة الاستخدام، ثاني أكثر الصواريخ إطلاقًا في الولايات المتحدة بعد صواريخ "سبيس إكس"، وأُطلق 16 مرة في العام الماضي.
ويُعد محرك "رذرفورد" مكونًا أساسيًا في هذا الصاروخ، وأول محرك صاروخي مطبوع ثلاثي الأبعاد يصل إلى الفضاء. وتقوم طابعة عملاقة، تعادل في ارتفاعها لاعب كرة سلة محترف، ببنائه من سبائك معدنية فائقة التحمل مثل النيكل والتيتانيوم والألمنيوم والنحاس. وتُرص هذه المساحيق بطبقات دقيقة تُصهر بالليزر لتكوين المكونات. ويتراوح حجم جزيئات المسحوق المعدني نحو 45 ميكرون، أي أقل من نصف سُمك شعرة الإنسان.
الطباعة ثلاثية الأبعاد
ورغم أن الطباعة ثلاثية الأبعاد ظهرت منذ أكثر من عقدين، إلا أن استخدامها في الصناعة الثقيلة لم يبدأ إلا مؤخرًا. ففي السابق، كانت عملية تصنيع محرك صاروخي تقليدي تستغرق أشهرًا من الصب واللحام، بينما تتيح الطباعة ثلاثية الأبعاد إنتاجه خلال أيام وبأقل نسبة عيوب مثل التشققات.
وقال جاكوب نويخترلاين، مؤسس ورئيس شركة "إليمنتوم 3D" في كولورادو، إن الطباعة ثلاثية الأبعاد تُتيح تصميمات أكثر تعقيدًا، خصوصًا في أنظمة التبريد داخل المحرك. ففي محركات الصواريخ، يُضخ الوقود المُبرد داخل قنوات في جدران المحرك لتبريده قبل أن يُحرق، والطابعة ثلاثية الأبعاد تُتيح بناء هذه القنوات بدقة متناهية لتحسين الأداء دون إعاقة تدفق الوقود.
وقال بيك: "هذه هي الطريقة التي تمنع بها غرفة الاحتراق من الذوبان. يتم تبريدها فعليًا بواسطة الوقود نفسه".
ولكن "روكيت لاب" ليست وحدها في هذا المجال. شركات مثل "إليمنتوم 3D"، و"بيهايف إندستريز"، و"أورسا ميجور"، ووكالة "ناسا"، كلها تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد في تصنيع مكونات الصواريخ.
وقد أجرت "ناسا" اختبارات على فوهات صاروخية مطبوعة بهذه التقنية في مركز "مارشال" الفضائي في ألاباما. أما "أورسا ميجور"، ومقرها كولورادو، فطورت محركات صاروخية يُطبع أكثر من 80% منها باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد، وتُستخدم حاليًا لاختبار تقنيات أسرع من الصوت لصالح سلاح الجو الأمريكي.
وقال نيك دوسيت، المدير التنفيذي في "أورسا ميجور"، إن هذه التكنولوجيا "ليست جديدة بالكامل، لكن استخدامها في الصناعات الدفاعية حديث نسبيًا".
ويقول براندون ريبيك، مدير التكنولوجيا في مؤسسة "أمريكا ميكس" المدعومة من وزارة الدفاع، إن الطباعة ثلاثية الأبعاد قد تُسهم في تعزيز التصنيع المحلي من خلال تمكين تقليل التكلفة، وتحقيق الاكتفاء الصناعي في المجالات الاستراتيجية.
لكنه أشار إلى ضرورة توسيع سلسلة الإمداد لتسهيل الوصول إلى الطابعات والمواد الخام. ولحسن الحظ، توجد شركات أمريكية في إنديانا وميشيغان وأوهايو تُنتج مساحيق المعادن اللازمة.
وقال شون فيليبس، رئيس قسم الدفع الصاروخي في مختبر أبحاث سلاح الجو الأمريكي: "علينا أن نكون مستقلين كدولة في محركات الصواريخ والوصول إلى الفضاء". وأضاف: "التصنيع الإضافي يسمح لنا ببناء أشياء لم يكن بالإمكان إنجازها سابقًا بالتقنيات التقليدية".
aXA6IDMuMTkuMjQ0LjEzMyA= جزيرة ام اند امز