برنارد لويس.. مهندس تقسيم الشرق الأوسط الذي كرمته إسرائيل وتركيا
المؤرخ اليهودي البريطاني الأمريكي برنارد لويس وضع مخططا لتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات وحظي بتكريم إسرائيل وتركيا وأمريكا.. ما قصته؟
يهودي بريطاني أمريكي، ولد في لندن وأراد والداه أن يكون محاميا، فأصبح مؤرخا، وكان معلمه اليهودي ليون شالوم كريديتور صاحب الأثر الأكبر في تكوين شخصيته وتوجيه تركيزه إلى اليهودية والإسلام والتاريخ، وعلمه اللغتين العبرية والآرامية، ثم درس اللاتينية واليونانية القديمة والفرنسية والألمانية.
إنه المؤرخ والباحث البريطاني الأمريكي البارز في تاريخ الشرق الأوسط، برنارد لويس، الذي توفي، الأحد، عن عمر يناهز ١٠١ عام، بإحدى دور الرعاية في الولايات المتحدة بعد مسيرة طويلة من العمل الأكاديمي المثير للجدل، خاصة وسط منتقديه الذين يتهمونه بأنه "مهندس تقسيم الشرق الأوسط".
في عام 1936 نال درجة الماجستير بامتياز عن دراسته في قسم التاريخ بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، مع تركيز على الشرق الأوسط والشرق الأدنى، وحصل على جائزة قدرها 100 جنيه إسترليني كانت تمثل مبلغا ضخما آنذاك.
ثم واصل دراسته في دراسات الشرق الأوسط واللغات في الكلية نفسها حتى حصل على الدكتوراه عام 1939، وكانت رسالته عن "مصادر الإسماعيلية" (وهي طائفة شيعية ذات ميول صوفية)، وتعلم خلال دراستها اللغات العربية والفارسية والتركية.
خلال دراسته للدكتوراه انتقل إلى جامعة باريس حيث قضى بها عاما ليدرس على يد المستشرق الفرنسي لوي ماسينون، وفي سنة 1937 حصل على دبلومة في الدراسات السامية، ونال مكافأة قدرها 150 جنيها إسترلينيا، سافر بفضلها إلى جولة في الشرق الأوسط استغرقت 6 أشهر، وشملت فلسطين وسوريا ولبنان ومصر وتركيا خلال عامي 1937 و1938.
وفي عام 1940 تم تعيينه محاضرا، ولكن خلال هذه الفترة كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها، فتطوع بالجيش البريطاني، حيث خدم في البداية بسلاح المدرعات، وفي عام 1941 انتقل إلى الاستخبارات التي ظل بها حتى انتهاء الحرب.
وفي الفترة بين عامي 1949 و1974 عمل أستاذا لتاريخ الشرق الأدنى والأوسط في كلية الدراسات الشرقية، وقد أصدر العديد من الدراسات المميزة وكان من الكتاب المفضلين لرئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير.
وقد لا يعلم كثيرون أن برنارد لويس كان عضوا منتسبا بالمجمع العلمي في مصر منذ عام 1969، وحصل على الدكتوراه الفخرية عدة مرات، من الجامعة العبرية الإسرائيلية في القدس عام 1974، وجامعة تل أبيب الإسرائيلية 1979، وجامعة نيويورك عام 1987، وجامعة بنسلفانيا 1987، وكلية هيبرو يونيون كوليدج في ولاية أوهايو الأمريكية 1978، وجامعة حيفا الإسرائيلية 1991، وجامعة بار إيلان الإسرائيلية 1992، وجامعة بن جوريون الإسرائيلية 1996، وجامعة أنقرة التركية 1996، وجامعة نيو سكول في نيويورك 2002، وجامعة برينستون في الولايات المتحدة 2002، وجامعة نورث ويسترن الأمريكية 2003، وجامعة اليهودية في لوس أنجلوس 2004.
كما حصل على وسام الشرف من وزارة الثقافة التركية عام 1973، والعضوية الشرفية من أكاديمية أتاتورك للتاريخ واللغات والثقافة في تركيا 1984، وجائزة التعليم التركية 1985، والعضوية الفخرية من أكاديمية العلوم التركية 1997، وجائزة السلام من جامعة أتاتورك التركية 1998، وغير ذلك من الجوائز والألقاب الشرفية.
في عام 1974 انهار زواجه الذي استمر 27 عاما وطلق زوجته الدنماركية اليهودية روث هيلين بعد علاقة قصيرة بأميرة تركية.
في عام 1982 حصل على الجنسية الأمريكية، وبدأ تأثيره في السياسة الخارجية الأمريكية. ودعا لويس إلى توطيد وتقوية أواصر علاقات العالم الغربي مع تركيا وإسرائيل.
كانت رسالة لويس السياسية لأمريكا بشأن الشرق الأوسط عام 2001 بسيطة وهي "القسوة أو الخروج"، محذرا من أن المفجر الانتحاري قد يصبح رمزا للمنطقة بأسرها التي تغرق في الكراهية والغضب والقمع والفقر.
وكان يدافع عن تزايد الكراهية تجاه أمريكا؛ حيث قال في حديث إذاعي:" لا يمكن أن تكون غنيا وقويا وناجحا ومحبوبا، خاصة من جانب أولئك الذين يفتقدون للقوة والثراء والنجاح، لذلك فإن الكراهية شيء بديهي".
ويقول السياسي الأمريكي ريتشارد بيرل: "إن برنارد لويس كان أكثر المثقفين تأثيرا فيما يتعلق بإدارة النزاع بين الإسلام الراديكالي والغرب وكان هنري كيسنجر يرجع له."
وعندما سئل في هارفاد: هل يجب أن نتفاوض مع نظام آيات الله في طهران؟ أجاب على الفور: بالطبع لا.
وصل تأثيره إلى قمة صناعة القرار السياسي في أمريكا؛ فبعد هجمات سبتمبر شوهد الرئيس السابق جورج بوش يحمل مقالاته التي من الواضح أن مستشارته للأمن القومي كوندوليزا رايس أمدته بها.
وقد أثارت آراؤه غضب العديد من الأكاديميين في بريطانيا وأوروبا؛ فرغم أنه يجيد بطلاقة العربية والفارسية والتركية والفرنسية والألمانية وإصداره 11 جزءا في كامبريدج عن تاريخ الإسلام وخبرته التي تمتد لعقود في هذا المجال وكونه كبير محرري إنسكلوبيديا الإسلام على مدار 31 عاما فإن البعض انتقده على خلفية وصف إدارود سعيد له بأنه "مستشرق من الطراز القديم ليست لديه مشاعر تجاه دول المنطقة باستثناء تركيا."
بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، شكلت أعمال لويس بعمق وجهة النظر الغربية تجاه قضايا الشرق الأوسط، وصراع الحضارات كما تعرضت آراؤه في الوقت نفسه لانتقادات حادة لمساهمتها إلى حد كبير في التدخل الغربي بالمنطقة وفقا لرؤية منتقديه. وعلى مدار سنوات عمله، طرح برنارد لويس أكثر من ٣٠ مؤلفا ومئات المقالات والمحاضرات بأكثر من ١٠ لغات، تحدث معظمها عن ملامح الشرق الأوسط الحديث.
يشار إلى أن صداقة لويس بالسيناتور الأمريكى هنرى جاكسون أحد صقور الحرب الباردة والداعم الكبير لإسرائيل، فتحت الأبواب للويس الذي أصبحت له مكانة مرموقة بين كبار مخططي حرب العراق داخل البيت الأبيض وهو ما يجعله دائما عرضة لاتهامات لدوره في الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣.
كما تعرض لويس لانتقادات كبيرة من مجموعة من المثقفين الدوليين خاصة بعد مرحلة حرب ١٩٧٣ حيث اعتبره العديد من المثقفين تجسيدا للغرور الغربي ومحاولات الغرب للظهور دائما بدور الوصي على الشرق الأوسط. ومن أشهر ما قدمه لويس هي أطروحة الصراع الحتمي بين العالم الإسلامي والغربي؛ حيث أعاد إحياء مصطلحه «صراع الحضارات» في مقاله «جذور الغضب الإسلامي» الذي تم نشره عام ١٩٩٠.
ومن فرضياته أيضا أن مشاكل الشرق الأوسط كانت في معظمها ذاتية ولم تكن مجرد ميراث من الاستعمار أو التدخل الخارجي. وأشاد بالإسلام باعتباره دينا عظيمًا لكنه كان يرى أن الإسلام يتم اختطافه بسبب التعصب والغضب.
ولكن كانت أكبر الجرائم المقترنة باسمه هي وضعه لمخطط تقسيم العالم العربي إلى دويلات.
ففي عام 1980م والحرب العراقية الإيرانية مستعرة صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي "بريجنسكي" بقوله: "إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن (1980م) هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود "سايكس- بيكو".
عقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بدأ برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الدول العربية والإسلامية، خاصة العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي، إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تبين تصوره لمواقع التقسيم.
ويقول البعض إن ما يحدث في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط ليس سوى تطبيق لتصورات برنارد لويس، الذي رحل وبقيت مخططاته.