ثمة شيء يمكن أن يجمع بين ترومان وترامب، هو أن الأخير قد يكون مقبلاً على إدراك درس اختبره الأول قبل 7 عقود
ليست هناك قواسم مشتركة بين الرئيس الأميركي الـ45 دونالد ترامب وسلفه الـ33 هاري ترومان، خصوصاً أن الأول بات أغنى رؤساء الولايات المتحدة، والثاني كان أفقرهم على الإطلاق. وثمة تناقض آخر بين الرجلين، كون ترامب جمهورياً وترومان ديموقراطياً، وهذا لا علاقة له على الإطلاق بوضعهما المالي فكثير من الرؤساء الديموقراطيين السابقين مثل بيل كلينتون وربما باراك أوباما، يعيشون ميسورين.
لكن ثمة شيء يمكن أن يجمع بين ترومان وترامب، هو أن الأخير قد يكون مقبلاً على إدراك درس اختبره الأول قبل 7 عقود، وهو أن سيد البيت الأبيض لا يتسنى له دائماً تنفيذ شعاراته، بل إن الظروف هي التي تحكم سياساته.
بالتالي، فإن ترومان على رغم كونه من أشد المناهضين للضغوط الصهيونية لتقسيم فلسطين، اضطر للوقوف يوماً ما والإعلان عن بدء هجرة اليهود إليها. وكذلك الأمر، فإن اعلانات ترامب الكثيرة التي أثار معظمها الجدل، قد لا تجد سبيلاً للتطبيق.
في 21 كانون الثاني (يناير) 1953، غادر ترومان البيت الأبيض في نهاية ولايته برفقة زوجته بيث، من دون مرافقين ولا حراس، ولم يجد مكاناً للسكن سوى اللجوء إلى منزل حماته في مدينة أندبندنس (ولاية ميسوري) حيث توفي بعدها بعشرين عاماً عن ثمانين سنة. ويبدو أن صعوبة الوضع المالي لترومان كانت أحد الأسباب التي دفعت الكونغرس إلى إقرار تعويض نهاية خدمة للرؤساء، تقاضى بموجبه الأخير 25 ألف دولار سنوياً، وهو مبلغ كان بالكاد يكفيه لتغطية فوائد ديون تراكمت عليه بفعل خسائره في استثمارات سيئة في شركتين فاشلتين، واحدة للتعدين والأخرى لبيع الثياب.
وخلافاً لكثيرين خلفوه، حرص ترومان على هيبة المنصب الرئاسي وكرامته، رافضاً استخدام اسمه في نشاطات ربحية أو لجمع أموال. وللمقارنة لا أكثر، فإن الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما يخطط لجني ملايين الدولارات من خلال مشاركته في مناسبات أو حملات، إلى جانب أكثر من 200 ألف دولار علاوة أساسية يتلقاها سنوياً مع تغطية نفقات مرافقيه وتخصيص أموال لمكتب خاص له وعاملين في هذا المكتب وتسديد تكاليف سفرهم. يضاف إلى ذلك، تعاقد الأميركية الأولى سابقاً ميشيل أوباما مع إحدى دور النشر لكتابة مذكراتها لقاء مبلغ 30 مليون دولار.
ولا شك في أن الأميركية الأولى الأسبق هيلاري كلينتون كسبت من مشاركتها في الانتخابات الأكثر إثارة للجدل في التاريخ الحديث للولايات المتحدة هذا العام، وستستثمر ذلك في نشاطات دعائية تعود عليها بأرباح، إلى جانب زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي تقدر ثروته بـ80 مليون دولار.
ومن بين الرؤساء الأميركيين كلهم، يتعيّن على ترامب الحذر من مجاراة الرئيس الثالث للولايات المتحدة توماس جفرسون الذي عرف قبل توليه المنصب في آذار (مارس) 1801، بالكاتب الأساسي لإعلان الاستقلال (1776) ولا يزال اسمه يستحضر بهذه الصفة وأيضاً كمؤسس لجامعة فيرجينيا، أكثر من كونه رئيساً.
وكان جفرسون أغنى الرؤساء الأميركيين على الإطلاق، السابقين منهم واللاحقين، وقدرت ثروته حينذاك بـ212 مليون دولار. لكن أوضاعه انقلبت رأساً على عقب فجأة في النصف الثاني من عمره المديد، إذ توفي عن 83 سنة وهو مكبّل بالديون وفي حال إفلاس لم يتمكن من الخروج منها، حتى أنه لم يترك إرثاً مالياً لابنته مارثا التي اضطرت للعيش على صدقات المحسنين ... الأمر الذي لن تواجه مثله إيفانكا ترامب على الأرجح، عندما يحين موعد مغادرة والدها سدة الرئاسة.
* نقلا عن الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة