كان هاري ترومان الرئيس الأميركي الـ33، فيما باراك أوباما، الرئيس الـ44. ليست لعبة الأرقام ما يربط بين الإثنين بل مصير الشرق الأوسط
كان هاري ترومان الرئيس الأميركي الـ33، فيما باراك أوباما، الذي غادر البيت الأبيض قبل أيام، الرئيس الـ44. ليست لعبة الأرقام ما يربط بين الإثنين، بل مصير الشرق الأوسط. فتحتَ قيادة الأول لـ"العالم الحر" اضطربت المنطقة بتقسيم فلسطين، وكان منطقه أن "اليهود في حاجة إلى وطن يجمعهم، والحكومة الأميركية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام حق ضحايا جنون هتلر في بناء حياة جديدة"، وتحت قيادة الثاني، رعت الولايات المتحدة اغتيال آمال الشعب السوري في الديموقراطية، بمنطق "عدم التورط في الأزمات الدولية، والقيادة من الخلف، أو عن بعد".
استلزم ترومان 11 دقيقة من التفكير كي يؤيد "إعلان قيام دولة إسرائيل"، واحتاج أوباما "همسة" روسية بوقف بشار الأسد حصد أرواح السوريين بـ"الكيماوي" كي يسحب تهديده بإطاحته. كان، إلى جانب الأول، وزير خارجيته جورج مارشال يصر عليه ألا يفعل حرصا على مصالح أميركا النفطية لدى الدول العربية، التي بالكاد كانت نالت استقلالها. ويوم تراجع أوباما عن إدعاء الشهامة، وأخلى الطريق أمام موسكو وبراميل بشار، لم يستوقفه النفط العربي، ولا ثقل الدول العربية. فالحاجة إلى نفط العرب، وانعدامها، سيّان عند واشنطن، لا سيما بعد اكتشاف النفط الصخري.
كان خطاب أوباما في جامعة القاهرة سنة 2009، رسالة مصالحة مع العالم الإسلامي، بعد 11 أيلول الشهير، أحيت تفاؤلا عربيا بدنو ولادة دولة فلسطين، التي كان لمّح إليها كحل قاطع. لكن، يتضح اليوم أن لا شيء تغير سوى زيادة 100 ألف مستوطنة في 8 سنوات. فـ"الحاج حسين أوباما" لم يستطع التفلت من ضغوط تل أبيب، ولم يشعر بضغط عربي مضاد كاف. بينما وزير خارجيته جون كيري حاول بين تموز 2013 ونيسان 2014 انتزاع موافقة تل أبيب على حوار مباشر مع الفلسطينيين، فصدّه أوباما عن ذلك خوفا من إحباط اسرائيل التفاوض النووي مع طهران. وتوج خنوعه بتسليحها بـ38 مليار دولار على 10 سنوات.
أما سوريا، التي كان يُتوقع من دولة بوزن أميركا، ألا تتردد تجاهها، فإن سلبية أوباما كانت "نموذجية" في تفاقم المأساة، وجعلها الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية بأكثر من 350 ألف قتيل، وهو الذي كان هدد النظام بخطوط حمر، أولها السلاح الكيميائي، ثم انكفأ عن تهديده، وفي المقابل تمنع عن تقديم السلاح المناسب لـ"الجيش السوري الحر"، فأتاح انشقاق قوى راديكالية، ودخولا مجلجلا لروسيا وايران وتوابعها لإنقاذ بشار.
ودّع أوباما البيت الأبيض باتهام موسكو بخداع العالم للتغطية على نظام بشار والانتهاكات الروسية - الإيرانية - الأسدية، فذكرنا بأن أميركا، قبله، كانت شرطي العالم، ومعه ظلت شرطيا، لكنها شرطي سير يشرف على مسار، ولا يملك أن يغيره. لكن أي شرطي ستكون مع خليفته؟
* نقلا عن صحيفة النهار
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة