الحرب في كل من سوريا وليبيا امتدت إلى نحو اثني عشر عامًا، ومع هذا ظلت محصورة داخل حدود البلدين، في حين أن حرب أوكرانيا وروسيا، التي يراها البعض بعيدة، مسافة وتأثيرًا، في الواقع، تؤثر فينا أكثر مما تفعل صراعات منطقتنا.
أوكرانيا أزمة في بداياتها، وقد تمتد لسنوات وتتوسع جغرافيًّا، مع ازدياد تعقيدات الخلاف بين الدول الكبرى المتورطة فيها.
هذه الحرب دفعت أسعار برميل البترول من أربعين إلى فوق المائة دولار، وضاعفت فاتورة الغاز نحو ثلاث مرات، وتهدد بانقطاع الخبز عن نصف سكان العالم.
سياسيًّا، الحرب أسهمت في إعادة الحسابات الدولية وتغييرها، في انقلاب الموقف الأمريكي ضد إيران والتراجع عن الاتفاق النووي، وعودة واشنطن إلى المصدر النفطي الأكبر، السعودية.
بسبب أوكرانيا، تنسحب القوات الروسية من سوريا، التي قد تتحول بعدها إلى مزرعة إيرانية، وما قد يعنيه ذلك من سياسات إقليمية دفاعية جديدة عربية-إسرائيلية.
أزمة أوكرانيا جددت دور الأسلحة الكيماوية والجرثومية، وفتحت النقاش حول حدود واستخدامات القنابل النووية.
هذه تداعيات حرب المحورين الغربي والروسي على الأرض الأوكرانية، والأزمة في تصاعد.
رياح الحرب هبت على المنطقة رغم بُعد المسافة. رفعت أسعار البترول وزادت المداخيل القومية لبعض دول المنطقة، وضاعفت الديون على البعض الآخر.
ويبقى التأثير الأكبر على أوروبا، ساحة الحرب، فهي تمر بمرحلة غير مسبوقة اضطرتها إلى إعادة النظر في السياسات الدفاعية والعلاقات الاستراتيجية.
المستشار الألماني، أولاف شولتس، يقول إن "الاجتياح" الروسي، جعل برلين تعيد التفكير في أمنها القومي، و"أن نمضي قدمًا لنخرج من التبعية الروسية في مجال الطاقة"، وبلاده الآن تؤيد دخول دول البلطيق حلف الناتو.
التبدل في موقف برلين لم يكن في الحسبان إلى فبراير/شباط مطلع هذا العام، والتي كانت ترى، منذ انهيار جدار برلين ونظام ألمانيا الشرقية الشيوعي، قبل ثلاثين عامًا، أنها نهاية الخوف من موسكو.
كان الألمان أكثر تمسكًا بفكرة التصالح مع روسيا، والمراهنة على العلاقات الاقتصادية، لضمان أمن أوروبا، بخلاف الولايات المتحدة التي تعتبر روسيا خطرًا لم يتغير، رغم غروب شمس النظام الشيوعي وطموحاته التوسعية.
وهناك صورة ناطقة للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، يحيط به القادة الأوروبيون، بينهم الزعيمة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، يلحون عليه خلال التشاور حول دور حلف الناتو.
كان الأمريكيون يحذرون ألمانيا، والاتحاد الأوروبي عمومًا، من خط الغاز الثاني الروسي، وأن الاعتماد عليه سيعرضهم وأوروبا وحلف الناتو للخطر.
النبوءة الأمريكية تحققت على أرض الواقع، وأوقفت روسيا غازها قبل "اجتياح" أوكرانيا، وأصبحت صادرات الغاز الروسي ضمن أدوات الحرب الأساسية. فأوروبا مكرهة، تمول بشرائها الغاز عمليات الحرب الروسية في أوكرانيا
علينا أن نضع في حسباننا طبيعة الأزمة، هذا صراع بين قطبين دوليين، وكل ما نراه يوحي بأنه سيطول وسيصبح أكثر عمقًا.
الطرفان، الناتو والروس، كل منهما مُصرٌّ على عدم التراجع، وموسكو زادت هذا الأسبوع من إصرارها معلنة أن الحرب ستستمر حتى تتحقق أهدافها التي تعدّها ضرورية لأمنها، الذي يعني أنها أزمة سنوات.
الجانبان يمارسان ضغوطًا هائلة على دول المنطقة لتبني مواقف واضحة في انحيازها، الأمر الذي ستكون له تكلفة سياسية واقتصادية وأمنية عالية، بغض النظر في أي جانب مالت إليه كل دولة.
هذه الحال في مرحلة الحرب الباردة عندما كانت تُحتسب المواقف، وتُعاقب الدول على علاقاتها مع الطرف الآخر.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة