تحاول الإدارة الأمريكية إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، بالتفاهم مع قوى اليمين المتطرف حتى تشكيل الحكومة رسميا.
وتُغذّي إدارة "بايدن" هذا التوجه لدى "نتنياهو" بحجة أن الوقت "لن يسعفه لاتجاهات أخرى غير مأمونة العواقب"، بعد استبعاد القوى المتعددة، التي دخلت الحكومة السابقة، إذ كانت حكومة "متناقضة"، أما اليوم، فاليمين القادم للحكم يعرف جيدا مساحات العمل ويدرك تصوره السياسي والاقتصادي للحكم، لذا سيعمل على تأكيد رسالة أنه وحده القادر على الخروج بإسرائيل من أي أزمات.
من ثم فإن ما يجري بين واشنطن وتل أبيب مرجعه حاليا عدة عناصر، أولها:
أن الإدارة الأمريكية تخشى دور اللوبي اليهودي ومزاجه العام، واحتمالات حدوث تجاذبات بشأن التعامل مع الحالة الإسرائيلية، رغم أن إسرائيل قضية ليست مجالا لأي خلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولا توجد مخاوف إسرائيلية ترتبط باحتمال تخلي واشنطن عن دعمها، لذا فالتدخل الأمريكي في الشأن الإسرائيلي مرتبط بفلسفة التخوف الحقيقي على مسار القبول الإسرائيلي في العالم، وعدم إحراج السياسة الأمريكية في الـ24 شهرا المقبلة، الباقية من عمر ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن.
لهذا، فإن الإدارة الأمريكية تتوجه بالنصائح والرؤى، وتدخلت في هندسة المشهد الحزبي الإسرائيلي برؤية أكثر واقعية، ولم تُشخْصن الأمر، بل وضعته في إطار دعم أمن إسرائيل، مع تأكيد نمط العلاقات الثنائية، التي تتطلب تدخلا فاعلا قاده فريق الدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة الأمريكية بالقدس، وأظهره حجم الاتصالات المتعددة مع القوى الحزبية، خاصة اليمينية، وبدوا كأنهم يرسمون مستقبل الحياة الحزبية الإسرائيلية على النهج الأمريكي، الأمر الذي كان لافتا في جملة تعليقات الأكاديميين الإسرائيليين الكبار، والذين اعتبروا ما يجري "جزءا من التزام أمريكا دعم إسرائيل"، وتنتظر الإدارة الأمريكية نتائج ذلك في الممارسات، التي سيعمل عليها اليمين في الكنيست وداخل دولاب العمل.
ثانيها: إدراك الولايات المتحدة أن ما تحقق في الإقليم من اتفاقيات سلام يتطلب الاستمرار في هذا الاتجاه وتنميته، وإقرار خِيارات السلام الاقتصادية، وهو ما سيأتي لاحقا بخيارات السلام السياسي، كمعادلة للعمل على تغيير واقع المواطنين والانتقال بحياتهم في الأراضي المحتلة وغزة لواقع جديد، وهو ما يجب تفهمه من قبل كل الأطراف، وتحرص الولايات المتحدة على متابعته عن قرب، وهو ما أبرزه بالفعل منتدى المنامة مؤخرا، واللقاءات العربية الإقليمية، والعمل على إنجاز مجموعة مشروعات التعاون الإقليمي، ودخول الدول العربية الفعالة والمؤثرة في منظومة واحدة.
وبحدوث الاستقرار داخل إسرائيل، فإن الإدارة الأمريكية الراهنة والطامعة في ولاية جديدة بالقيادة الراهنة للرئيس جو بايدن، ستعمل في الاتجاه نفسه، بل وسترعى التغيير وتعميم اتفاقيات السلام، خاصة أن مُناخا جديدا في الإقليم يتشكّل، وأن هناك توجها عربيا لافتا يُبنى على قاعدة "المصالح المشتركة"، التي صارت تحكم توجهات دول الإقليم، ومن ثم فإن الحكومة الإسرائيلية الجديدة -كما ترى الإدارة الأمريكية- عليها أن تعقد مزيدا من اتفاقيات السلام أولا، وتفعّل مجالات التعاون الإقليمي، وألا تركز على الداخل الفلسطيني، إلى حين النظر في كيفية التعامل مع حالة الانفلات الأمني الراهن في الضفة -وفقا للمنطق الأمريكي- مع تأجيل الحديث عن استئناف الاتصالات الرسمية مع الجانب الفلسطيني، والرسالة أن تركز إدارة بايدن على الثابت، وليس المتغير في نمط العلاقات بين أطراف الحكومة الإسرائيلية التي ستُشكّل، وكذلك مع السلطة الفلسطينية.
ثالثها: ترى الإدارة الأمريكية أن أي خطاب إعلامي أو سياسي عدائي للجانب الفلسطيني، وتكرار اجتياح المسجد الأقصى، والتركيز على ملف الاستيطان، لن يمر، وسيؤدي لمزيد من الاحتكاكات اليومية، وهو ما سيسبب كثيرًا من الضغوطات على الإدارة الأمريكية، وسيُحرج موقفها إقليميا ودوليا، في وقت تدرك فيه الإدارة الأمريكية أن الوقت غير مناسب وغير مُواتٍ لمثل هذه الأمور، إذ ستخوض الإدارة الأمريكية معركتها التمهيدية للانتخابات الرئاسية، خاصة أن حالة التخوف من المجهول القادم في الأراضي الفلسطينية ستدفع بضرورة التنسيق الأمريكي الإسرائيلي المستمر، إذ إن ساحات الكونجرس ستكون متسعة لكثير من المعارك في الفترة المقبلة، ولن تتوقف عند ملف إقليم الشرق الأوسط، بل ستتجاوز صراعات كبرى في جنوب شرق آسيا، وفي المحيطين الهندي والهادي.
هنا تعمل الإدارة الأمريكية في اتجاه محدد مع التركيز على استقرار الداخل الإسرائيلي، وعدم تحوله إلى مصدر دائم لتأجيج الوضع في الإقليم، خاصة مع تشابك المصالح الأمريكية وتنوعها فيه، والتي لن تتخلى عنها أبدا وسط صراعها الأكبر مع الصين وروسيا، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية ستمضي في مسارها للحفاظ على علاقاتها التاريخية والاستراتيجية مع إسرائيل، وستستمر في دعم المشهد الداخلي حتى بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مع تأكيد استقرار المنطقة ككل، وعدم التركيز على الأشخاص، باعتبار أن إسرائيل دولة مؤسسات بالفعل تتجاذبها تيارات متعددة، وليس فقط اليمين الحاكم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة