لا شك أن زيادة السكان في البلدان النامية تشكل أزمة وضغطًا على موارد الدولة، وهو ما تحاربه دائما الدول بطرق مختلفة لخفض عدد السكان.
ولكن هناك ظاهرة بدأت تتشكّل في المجتمع المصري، خصوصًا بين الطبقات الاجتماعية ذات التعليم العالي والدخول المتوسطة إلى مرتفعة، ألا وهي سياسة تأجيل الإنجاب لفترة معينة من بدء الزواج، وذلك لاعتبارات عدة، منها تحقيق التفاهم بين الزوجين، والتأكد من القدرة على إنجاب وتربية طفل يحصل على حقوقه في بيئة مناسبة.
تدرك هذه الفئة المتعلمة التحديات الحياتية وتفكر دائما في مستقبل أولادها لتوفر لهم أفضل وسائل الرعاية الصحية، وتسعى لتأمين تعليم جيد -على مستوى "إنترناشيونال"- لأبنائها، لإيمان أبناء هذه الفئة بأن التعليم الجيد هو بوابة حصول أولادهم مستقبلا على وظائف جيدة، كذلك يجتهدون لإتاحة بنية رياضية لأبنائهم عبر الالتحاق بتدريبات أندية أو ما يتاح لهم حسب الدخل والطبقة الاجتماعية.
هؤلاء الآباء يستوعبون كم تُلقي تلبية هذه الاحتياجات على عاتقهم مسؤولياتٍ وتحدياتٍ كبرى لتحقيقها! فتكاليف تأمين حياة متكاملة لتربية طفل باهظة للغاية، وسط ارتفاع تكاليف كل شيء في عالم اليوم، فما بالك إذا كان هناك أكثر من طفل، قطعا سيؤثر ذلك في نصيب الطفل من الاهتمام والرعاية.
لذلك بدأ أبناء هذه الفئة المتعلمة الطامحة اتباع سياسة تنظيم النسل، أو الاكتفاء بطفل واحد، وذلك لكي يكونوا متأكدين من قدرتهم على تقديم أفضل رعاية لأبنائهم.
على صعيد آخر، في المجتمع ذاته نرى فئة ذات تعليم منخفض.. لا تكون على دراية كاملة بجميع ما سبق، فأبناؤها -في غالبيتهم- غير مدركين لما يجب توفيره لطفلهم قبل قرار إحضاره إلى هذا العالم، إذ يتصرف هؤلاء تحت نشوة مقولة "العيل بييجي برزقه"، فينجبون دون وعي عددا من الأطفال لا يمكن رعايته، ولا يفكرون في تأجيل الإنجاب لفترة، لأنهم يقعون تحت ضغوط عائلاتهم، التي تفرض عليهم الإنجاب عقب الزواج مباشرة لكي يكون الأولاد "عزوة وسند" للأهل، كميراث فكري مخرّب.
هذه الفجوة في التفكير بين الفئتين سالفتي الذكر، ستخلّف على المدى الطويل خللا في الديموغرافية المصرية من ناحية التعليم والتدريب والكفاءة، فبعد فترة زمنية سيكون هناك تفاوت كبير بين عدد الأفراد الحاصلين على تعليم ورعاية صحية وجسدية جيدة، وبين عدد الأفراد الذين كانت لهم حظوظ أقل بكثير من الرعاية والتعليم، وذلك بالطبع يشكّل خطرا على مستقبل الدولة، خصوصا إذا كانت في مرحلة نمو وتعتمد على الكفاءات الشابة لتحقيق نهضتها وتقدمها.
لذا وجب على الدولة إيجاد حلول للتوعية بأزمة الانفجار السكاني وتحديد سبل مناسبة للتعريف بأهمية تنظيم النسل، ووضع طرق لمخاطبة كل طبقة وفئة على حدة للسيطرة على أزمات عمالة الأطفال والتسرب من التعليم وأطفال الشوارع، والتي تتكون قنابلها جميعا بالإنجاب دون وعي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة