تحليل: إدارة بايدن تتجه لإفلاس استراتيجي
لا يزال للحرب الروسية على أوكرانيا تداعيات تتجاوز المناخ الأمني في أوروبا، وليس أقلها الطريقة التي تؤثر بها المغامرة الروسية على تطور السياسة الاستراتيجية والدفاعية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وبالنسبة لبعض المعلقين، يعتبر تأثير الحرب الروسية على السياسة الاستراتيجية الأمريكية بمثابة تشتيت للانتباه عن اللعبة الأساسية، التنافس الاستراتيجي مع الصين "للفوز في القرن الواحد والعشرين"، على حد تعبير الرئيس بايدن.
وطبقا لهذا الرأي، بحسب تحليل منشور بمجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية، احتوى حشد إدارة بايدن السريع لإدانة الحلفاء، وفرض عقوبات على روسيا، وتسليح أوكرانيا التحدي الروسي بشكل فعال. ويجب، وفقا لهذا المنظور، أن يسمح لها بتكريس الاهتمام الاستراتيجي بالتحدي الذي تشكله الصين.
ومع ذلك، وبالرغم من النجاح الواضح لرد الإدارة على الحرب الروسية على أوكرانيا، توجد مخاوف بين كثير من المراقبين الأمريكيين الآسيويين حول أن اهتمام بايدن سيظل منقسما على نحو خطير بين آسيا وأوروبا طالما استمرت الحرب في أوكرانيا، وسيظل بوتين غير مقيد، بحسب التحليل الذي أعده الدكتور مايكل كلارك، الزميل الأقدم بمركز أبحاث الدفاع والأستاذ بجامعة التكنولوجيا في سيدني.
وهذا الرأي ليس دون سند، حيث إن الاتجاه نحو الاهتمام الاستراتيجي المنقسم كان واضحا منذ فترة، وظهر قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، على سبيل المثال، عندما رفض متحدث باسم البنتاجون في نهاية يناير/كانون الثاني تلميح أحد الصحفيين حول أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاضطلاع بمهتمين في الوقت نفسه بشأن روسيا والصين.
وبدا أن "صحيفة الوقائع" المكونة من صفحتين حول "استراتيجية الدفاع الوطني" التي لا تزال سرية، وأصدرها البنتاجون في 28 مارس/آذار عام 2022 تشير إلى أن الإدارة ستركز اهتماما متساويا على روسيا والصين.
وحددت بوضوح "ردع العدوان" و"ردع الهجمات الاستراتيجية على الولايات المتحدة، والحلفاء، والشركاء"، مع إعطاء الأولوية "للتحدي الذي تمثله جهورية الصين الشعبية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" و"التحدي الروسي" في أوروبا، باعتبارهما أهدافا محورية.
وفي الواقع، ركز خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بايدن في الأول من مارس/آذار وقتا طويلا في الحديث بالتفصيل عن كيف شكلت الحرب الروسية على أوكرانيا انجراف العالم نحو "معركة بين الاستبداد والديمقراطية".
ويلوح شبح الحرب في أوكرانيا على "استراتيجية الأمن القومي" التي لم يتم إصدارها بعد، وأفادت وكالة "بلومبيرج" الأمريكية في 3 يونيو/حزيران بأن الاستراتيجية "يتم إعادة صياغتها الآن إلى حد كبير لتعكس كيف تغير العالم منذ بدء الحرب"، وللتأكيد على "أهمية كل من أوروبا وآسيا لمصالح الأمن القومي الأمريكي."
وفي حين أصبح واضحا طموح الإدارة في التركيز على الاضطلاع بمهامها في المسارح الاستراتيجية الأوروبية والآسيوية، لا يمكن قول الشيء نفسه عن كيف تعتقد أنها قادرة على تحقيق ذلك، بحسب التحليل.
ويبدو أن نهج الإدارة حتى الآن يعتمد بشكل أكبر على افتراضات تحدوها الأمل بدلا من النظر في ضرورات وضع استراتيجية كبرى.
وأشار التحليل إلى أن افتراض إدارة بايدن الأساسي الذي يحدوه الأمل يتعلق بحلفاء واشنطن الأوروبيين، حيث إن طموح الإدارة للتركيز على روسيا والصين في الوقت نفسه يستند جزئيا على الأمل في أن تحركهم الحرب الروسية لبدء استثمارات شاملة من أجل دفاعاتهم وتوسيعها بمرور الوقت.
ومن ثم قد تتمكن واشنطن أخيرا من السماح لحلفائها بحلف شمال الأطلسي (الناتو) بتحمل العبء السائد في مواجهة العدوان الروسي بالمستقبل واحتوائه بينما توجه اهتمامها الاستراتيجي نحو آسيا، بحسب التحليل.
لكن رأى التحليل أن تقديم واشنطن مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا بقيمة حوالي 26 مليار دولار يقزم ما يقدمه حلفاؤها بالناتو بهامس كبير، وهذا يثير احتمال أنه مع استمرار الحرب في أوكرانيا، قد تنجر واشنطن أكثر عبر تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية أكبر لضمان عدم هزيمة كييف، وهذا لن يصرف الاهتمام عن الساحة الآسيوية فحسب، بل يزيد خطر التصعيد العسكري المباشر مع موسكو.
وبالوقت الراهن، بحسب التحليل، تواجه الولايات المتحدة اختبارين لالتزاماتها الأمنية عند طرفي القارة الأوراسية في وقت تواجه فيه ما وصفه البعض بأزمة ديمقراطية بالداخل واقتصاد يتجه نحو ركود.
وفي هذه الحالة، قد يبدو من غير الحكمة أن تصدر الإدارة "شيكات على بياض" للخصوم، لكن يبدو أنها معرضة لخطر الاقتراب من هذا الوضع، ففي حين قاومت الضغط لتصبح أكثر انخراطا في الدفاع عن أوكرانيا من خلال إداركها مخاطر التصعيد، عززت بشكل كبير التزامها الخطابي تجاه كييف.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، وقعت واشنطن وكييف ميثاقا للشراكة الاستراتيجية، والذي نص على أن تلتزم الولايات المتحدة "لمواصلة العقوبات.. وتطبيق إجراءات أخرى ذات الصلة" حتى تعيد روسيا وحدة أراضي أوكرانيا.
وأشار التحليل إلى إشكالية أخرى تتمثل في أن النبرة الأخيرة للإدارة التي تمثل التحديات الروسية والصينية على النظام الدولي "كأنظمة استبدادية في مقابل ديمقراطية" لا تعتبر بالضرورة صيحة نداء، حيث تتجاهل أن دول العالم بخلاف حلفاء واشنطن المباشرين لا يزالون غير متحمسين لفرض عقوبات على روسيا، وتجنبوا الانحياز إلى أي طرف في الحقبة الجديدة من "التنافس الاستراتيجي" بين الولايات المتحدة والصين.
وقد تحدثت الإدارة عن الصين باعتبارها التحدي والمنافس النظير الوحيد القادر على تشكيل تحد مباشر مستمر على النظام الدولي القائم، لكن لا تتطابق أفعالها مع هذا الخطاب.
وفي حين تضخ الولايات المتحدة مليارات الدولارات على أسلحة إلى أوكرانيا، يدرك العديد من القادة الآسيويين أن "إدارة بايدن تمكنت فقط من التعهد بمبلغ تافه بقيمة 150 مليون دولار للاستثمارات في جنوب شرق آسيا بعد القمة مع القادة الإقليميين في واشنطن."
وأكد التحليل أن الاستراتيجية المتسقة تتطلب تحديد الأولويات والموازنات بين الوسائل والغايات ومناطق التركيز الجغرافي الأساسية، لكن تشير الأدلة إلى أن الإداة ليست قادرة أو غير مستعدة لاتخاذ مثل تلك الخيارات الصعبة والضرورية.
aXA6IDE4LjIyMS41OS4xMjEg جزيرة ام اند امز