تنصيب بايدن وإنجازات الإمارات.. مناخ العالم يحصد الثمار
فيما يترقب العالم عودة أمريكا لاتفاق باريس للمناخ، رفعت الإمارات سقف مساهماتها بموجب الاتفاق، في خطوة تحفز الجهود الدولية بهذا الصدد.
وعقب تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مقاليد السلطة، الأربعاء، يتوقع عودة الولايات المتحدة، مجددا إلى اتفاق باريس للمناخ، الذي انسحبت منه بلاده رسميا بقرار اتخذه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.وسبق أن تعهد بايدن في بيان أصدره في 12 ديسمبر الماضي قبل توليه مهام منصبه عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس في اليوم الأول من رئاسته، معلنا في نفس البيان دعوة قادة الاقتصادات الكبرى إلى عقد قمة مناخية خلال أول 100 يوم من توليه مهام منصبه.
الولايات المتحدة، ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، فيما يعد اتفاق باريس، أول اتفاقية دولية خاصة بمكافحة تغيرات المناخ على مستوى العالم، والتي تهدف لتفادي ارتفاع درجة الحرارة بصورة خطرة.
ويتجه العالم نحو ارتفاع في درجة الحرارة بنحو 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100.
ويستهدف اتفاق باريس (12 ديسمبر/كانون الأول 2015) إلى الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة.
ووعد بايدن بتخفيض انبعاثات الولايات المتحدة الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2050، ومن شأن هذه الخطوة خفض درجات الحرارة العالمية بـ0.1 درجة مئوية بحلول عام 2100.
يأتي تنصيب بايدن بعد نحو أسبوعين من تسليم دولة الإمارات التقرير الثاني لمساهماتها المحددة وطنياً إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي تشمل رفع سقف هذه المساهمات بما يضم زيادة جهود خفض الانبعاثات من الغازات الدفيئة وصولاً إلى تحقيق انخفاض بنسبة 23.5% عن الوضع الاعتيادي للأعمال لعام 2030، وهو ما يعادل خفضاً مطلقاً للانبعاثات بنحو 70 مليون طن.
وتتلاقى الجهود الإماراتية الرائدة في هذا الصدد مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، التي ستعمل بجدية لمواجهة أزمة المناخ التي تراها تهديدا وجوديا، ليشكل الحدثان خطوات مهمة لحماية بيئة العالم ومواجهة تحدي التغير المناخي.
ومع تأجيل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP26 إلى شهر نوفمبر المقبل، يشكل عام 2021 فرصة مهمة أمام البلدان لحفز مساعي الحد من التغير المناخي، بما في ذلك نشر تقنيات الطاقة المتجددة ومواءمة جهود التعافي الاقتصادي مع أهداف اتفاق باريس للمناخ.
نموذج ملهم
الجهود الإماراتية الرائدة لمواجهة تغير المناخ، وضحت جليا في السياسة العامة للبيئة التي أعلنت عنها الإمارات على الصعيد الوطني، وكذلك في التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنيا لدولة الإمارات والذي تم الإعلان عنه وتسليمه إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ نهاية ديسمبر الماضي.
ومن شأن تلك الخطوة الإماراتية تحفيز الجهود العالمية في هذا الصدد، عبر الإعلان عن رفع سقف مساهماتها الوطنية للعمل من أجل المناخ.
وتسعي الإمارات لتقديم نموذج عالمي فعال للتعامل مع التغير المناخي ومواجهة التحديات التي يفرضها على دول العالم كافة، لحماية مستقبل البشرية من التحدي الأهم الذي يواجهها حاليا، وضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.
وتمتلك دولة الإمارات مسيرة حافلة في العمل من أجل البيئة والمناخ منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وبدأت تلك الجهود بعد 6 أشهر فقط من تأسيس الإمارات من خلال مشاركة وفد رفيع المستوى في المؤتمر الأول للأمم المتحدة المعني بحماية البيئة والعمل من أجل استدامة الموارد الطبيعية، ثم صدور أول قانون وطني في المنطقة يستهدف حماية البيئة في العام 1975.
وتتواصل تلك الجهود الرائدة في ظل القيادة الحكيمة للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، حيث تعد الإمارات الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تدعم وتوقع طواعية على اتفاق باريس للمناخ .
ومنذ توقيعها الاتفاق، سجلت على مدار الأعوام المنقضية إنجازات عدة في خفض مسببات التغير المناخي وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته بموجب توجهات القيادة الرشيدة ونظرتها المستقبلية المتقدمة.
ونظراً لأهمية موضوع التغير المناخي محلياً وعالمياً، قامت الإمارات بإدراج التصدي لهذه الظاهرة كأحد أهدافها الرئيسية، وذلك لتحقيق التنمية المستدامة.
كما اعتمدت الإمارات باقة واسعة من التشريعات والاستراتيجيات الداعمة للعمل من أجل البيئة والمناخ، ومنها التحول نحو منظومة الاقتصاد الأخضر.
وفي عام 2016، قامت الإمارات بتوسيع دور وزارة البيئة والمياه لتدير جميع الجوانب المتعلقة بشؤون التغير المناخي الدولية والمحلية، وأعادت تسمية الوزارة لتصبح وزارة التغير المناخي والبيئة، وتعمل هذه الوزارة على قدم وساق لتعزيز جهود الإمارات في معالجة مشكلة التغير المناخي، وحماية النظم البيئية الفريدة.
رفع سقف المساهمات
وفي أحدث الجهود الإماراتية لمعالجة مشكلة التغير المناخي، سلّمت أبوظبي نهاية ديسمبر الماضي التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنيا لدولة الإمارات إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بعد اعتمادها من مجلس الوزراء، وذلك بعد أن سلمت مساهماتها الأولى في 2015.
ويتضمن التقرير الجديد رفع سقف هذه المساهمات بما يضم زيادة جهود خفض الانبعاثات وتعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة والتوسع في جهود تخزين الكربون ومشاريع الكربون الأزرق والنظم المستدامة للزراعة وإدارة النفايات.
وتشمل المساهمات أبرز خطط وجهود الإمارات الحالية والمستقبلية لخفض الانبعاثات والتكيف مع تداعيات التغير المناخي وخفض حدتها.
وحرصا منها على مشاركة تجاربها الرائدة في هذا الصدد في كل الفعاليات الدولية الهامة، لتحفيز دول العالم لاتخاذ خطوات مماثلة، استعرض الدكتور عبدالله بن محمد بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة في الإمارات، هذا التقرير، خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الذي أقيم ضمن فعاليات الدورة الـ 11 من اجتماعات الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" تحت شعار "التخطيط الوطني للطاقة وتنفيذه لتعزيز تحول الطاقة".
وتعقد تلك الدورة ضمن أعمال أسبوع أبوظبي للاستدامة- المنصة العالمية المعنية بتسريع وتيرة التنمية المستدامة والذي تستضيفه شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"- حتى 21 يناير/كانون الثاني الجاري.
وأكد "النعيمي" أن رفع سقف مساهمات الدولة في التقرير الثاني يمثل خطوة داعمة ومعززة لمسيرة تحقيق التنويع الاقتصادي والتحول نحو منظومة الاقتصاد الأخضر وتسريع وتيرة تحول الطاقة عبر زيادة الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة.
وبيّن أنه على الرغم من الإنجاز الذي حققته دولة الإمارات خلال العقد الماضي حيث ارتفع إجمالي الطاقة المتجددة من 10 ميجاوات في 2009 إلى 2400 ميجاوات حاليا إلا أن الدولة وبفضل رؤى وتوجيهات قيادتها الرشيدة تعمل على مواصلة مسيرتها المحلية والعالمية للعمل على تعزيز قدرات مواجهة تحدي التغير المناخي.
وكان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أعلن خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد 14 ديسمبر الماضي أنه: "ضمن التزامات الدولة عالمياً في اتفاقية باريس للمناخ اعتمدنا مجموعة من الالتزامات البيئية الإماراتية والمستهدفات في مجال الطاقة النظيفة والانبعاثات الكربونية وغيرها".
وبيّن أن "التغير المناخي هو التحدي العالمي الأكبر مستقبلاً، والذي يتطلب جهوداً جادة وحقيقية ومستمرة" .
ووافق مجلس الوزراء في هذا الصدد على المساهمات الثانية المحددة لدولة الإمارات وفق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس، وبما يسهم في الحد من تداعيات التغير المناخي وبهدف عرض خططها وجهودها خلال الـ5-10 سنوات القادمة للتكيف مع تغير المناخ وخفض الانبعاثات بما يخدم هدف إبقاء المتوسط العالمي لارتفاع درجات الحرارة دون درجتين مئويتين.
التزامات طوعية لأجل الإنسانية
ويتضمن التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنيا لدولة الإمارات رفع سقف التزامات الإمارات- الطوعية-، في إطار التزامها بالعمل من أجل المناخ، ودعم الجهود الدولية لمواجهة التحدي الأهم الذي يواجه مستقبل البشرية وكوكب الأرض، ومواكبة لتوجهاتها بضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.
ويضم التقرير التوجهات والخطط الطموحة لزيادة معدل خفض انبعاثات الكربون إلى 23.5 بالمائة مقارنة بالعمل المعتاد لعام 2030 وزيادة القدرة الاجمالية للطاقة النظيفة محليا إلى 14 جيجاوات بحلول 2030، وهو ما يعادل خفضاً مطلقاً للانبعاثات بنحو 70 مليون طن.
ويمثل هذا الهدف تأكيداً على التزام الدولة باتفاق باريس للمناخ كونه الخيار الأفضل للتعامل مع إشكالية تداعيات التغير المناخي وجهود الحد منها والتكيف معها.
وفي هدف تخفيف حدة التغير المناخي تلتزم الإمارات بموجب رفع سقف المساهمات المحددة وطنياً بتطوير وزيادة حصة الطاقة النظيفة المحلية لتصل إلى قدرة إنتاجية 14 جيجا وات بحلول العام 2030، مقارنة بـ 100 ميجاوات فقط في العام 2015 وما حققته حتى الآن من قدرة بالغة 2.4 جيجا وات في 2020. هذا وبلغ مجمل حجم الاستثمارات المحلية في مشاريع الطاقة النظيفة 40 مليار دولار أمريكي حتى الآن.
كما تلتزم بالاستمرار في تطبيق منظومة متكاملة من الإجراءات الهادفة لخفض مستوى الانبعاثات في القطاعات الاقتصادية الرئيسية (الطاقة، والنقل، والصناعة، والخدمات، والزراعة، والنفايات). وفي هذا الإطار استحدثت دولة الإمارات أول شبكة تجارية في المنطقة لاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، لتعزيز نشر هذه التقنية بالغة الأهمية للحد من انبعاثات الكربون وتخفيف آثار تغير المناخ.
وبموجب هدف تعزيز قدرات التكيف مع تداعيات التغير المناخي، تلتزم الإمارات ضمن رفعها لسقف مساهماتها المحددة وطنياً بالاستمرار في جهود الحفاظ على النظم البيئية الساحلية، ومشروع الكربون الأزرق عبر زراعة ملايين الأشجار، ومنها أشجار القرم التي من المخطط زراعة 30 مليون شتله منها لغاية 2030.
على صعيد جهودها الدولية، استثمرت دولة الإمارات في 70 دولة حول العالم في مشاريع بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 16.8 مليار دولار أمريكي، كما قدمت الدولة ما يزيد عن 400 مليون دولار من المساعدات والتمويلات والقروض الميسرة لمشاريع الطاقة النظيفة حول العالم.
السياسة العامة للبيئة
ويأتي مواجهة تحدي التغير المناخي، كأحد أبرز أولويات السياسة العامة للبيئة في دولة الإمارات التي أعتمدها مجلس الوزراء نهاية نوفمبر الماضي، كما يأتي التغير المناخي كأول أولوية من الأولويات الثمانية التي تركز عليها السياسة، كونه التحدي الأهم والأكثر تهديداً لمستقبل البشرية ككل، ولما لتداعياته من تأثيرات سلبية تطال كافة القطاعات والمجالات، وتضم الأولوية التوجهات الرئيسة للدولة في هذا العمل والتي تشمل إدارة الانبعاثات وخفض انبعاثات الكربون بشكل خاص، ووضع برامج وخطط مرنة لتعزيز قدرات النظم البيئية والقطاعات المختلفة للمجتمع على التكيف مع أثار التغير المناخي.
وترتكز السياسة على 8 أولويات رئيسة تشمل التغير المناخي، والمحافظة على البيئة الطبيعية، وجودة الهواء، والسلامة الغذائية، واستدامة الإنتاج الزراعي النباتي، والحيواني المحلي، والإدارة السليمة والمتكاملة للنفايات، وللمواد الكيميائية.
وتكمن أهمية هذه السياسة باعتبارها أحد أهم الأدوات التي تحدد التوجهات المستقبلية في مجال العمل البيئي والمناخي والارتقاء بهما حالياً ومستقبلاً، بالإضافة إلى ضمان تنفيذ التزامات الدولة ذات الصلة على المستويين الإقليمي والعالمي.
وتستهدف تعزيز جودة الحياة، ودعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وتعزيز التنوع والازدهار الاقتصادي، والمحافظة على النظم البيئة ومواردها وخدماتها الإيكولوجية، بما يتواكب مع أهدف رؤية ومئوية الإمارات.
aXA6IDMuMTMzLjEwOC4yMjQg جزيرة ام اند امز