حقبة ما بعد بايدن.. هل ينزلق الاقتصاد الأمريكي إلى مغامرات ترامب؟
بعد ضغوط قوية من الحزب الديمقراطي، قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن التنحي عن خوض السباق الانتخابي في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وقد أعلن بايدن في بيان له على منصة "إكس"، الأحد الموافق 21 يوليو/تموز 2024، أنه سيكتفي بأداء مهامه الرئاسية حتى موعد الانتخابات الرئاسية، وتأييده الكامل لنائبته كاملا هاريس كمرشحة محتملة لرئاسة الولايات المتحدة عن الحزب الديمقراطي.
هكذا أسدل جو بايدن الستار على حالة الجدل الواسع بشأن إمكانية خوضه الانتخابات وفوزه بولاية رئاسية ثانية.
لكن كيف سينعكس ذلك القرار على الاقتصاد الأمريكي الذي لا يزال يكافح التضخم واستعادة التعافي الكامل وسط تحديات عالمية متشعبة؟ هذا ما سنكشفه في التقرير التالي:
الاقتصاد الأقوى.. مع مؤشرات "مقلقة"
بايدن قال في بيانه، الذي نشره على حسابه في منصة "إكس"، إنه على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية أحرزنا تقدما كبيرا كأمة، واليوم تتمتع أمريكا بأقوى اقتصاد في العالم.
وأضاف "لقد قمنا باستثمارات تاريخية في إعادة بناء أمتنا، وفي خفض تكاليف الأدوية الموصوفة لكبار السن، وفي توسيع نطاق الرعاية الصحية بأسعار معقولة لعدد قياسي من الأمريكيين".
وواصل بايدن قائلا "أعلم أنه لم يكن من الممكن تحقيق أي من هذا بدونكم، أيها الشعب الأمريكي، لقد تغلبنا معًا على جائحة تحدث مرة كل قرن وعلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير".
هذا ما قاله بايدن في بيانه، لكن دائما ما تكون المؤشرات والأرقام ذات دلالة أقوى وأكثر واقعية في لغة الاقتصاد.
لقد حقق الاقتصاد الأمريكي نمواً بنسبة 1.4% على أساس سنوي في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار، وهو أبطأ نمو ربع سنوي منذ ربيع 2022، حسب ما أعلنت الحكومة الأمريكية في 27 يونيو/حزيران 2024، لكن يشير ذلك إلى تراجع حاد عن وتيرة قوية بلغت 3.4% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023.
وأشارت البيانات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي المقوم بالأسعار الجارية بنسبة 4.5% على أساس سنوي في الربع الأول، أو ما يعادل 312.2 مليار دولار ليسجل 28.27 تريليون دولار.
وعلى صعيد التضخم، ذكر مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل الأمريكية خلال يوليو/تموز الجاري، أن مؤشر أسعار المستهلكين في أمريكا تباطأ إلى 3% على أساس سنوي في يونيو/حزيران من 3.3% في قراءة مايو/حزيران.
أما في سوق العمل الذي يعد مرآة عاكسة لصحة الاقتصاد الأمريكي فقد أظهرت البيانات الرسمية ارتفاع معدل البطالة لشهر يونيو/حزيران ليسجل أعلى مستوياته منذ نوفمبر/تشرين الأول 2021، التي بلغت 4.1%، وسرعان ما شهدت الأسواق تحركات قوية إثر تلك البيانات، حيث انتعشت شهية المخاطرة بسوق الأسهم الأمريكية ما قد يدفع السلطات النقدية للاستجابة لضعف سوق العمل وإنهاء دورة التشديد النقدي، خصوصا أن محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول قد صرح بأن البنك المركزي سيستجيب لأي ضعف قد يطرأ على سوق العمل الأمريكي.
وعلى صعيد الدين العام، فقد أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأمريكية خلال يوليو/تموز الجاري، أن الدين العام في الولايات المتحدة بلغ نحو 34.94 تريليون دولار، مع الدخول في معترك الانتخابات الرئاسية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي الأشهر السبعة الأولى من السنة المالية 2024، التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بلغ إجمالي صافي مدفوعات الفائدة 514 مليار دولار، متجاوزة نفقات الدفاع بمقدار 20 مليار دولار، ويعتقد المحللون أن هذا الاتجاه سيستمر، مما يجعل هذا أول عام على الإطلاق تنفق فيه أمريكا على الفائدة أكثر من إنفاقها على الدفاع الوطني.
- بشرى خفض الفائدة تقترب.. التضخم الأمريكي يستمر في التباطؤ
- بطل «مشفر».. هل تدير العملات الرقمية المشهد الانتخابي لصالح ترامب؟
هل ترامب الأفضل للاقتصاد الأمريكي؟
وفقا لاستطلاعات رأي أجرتها مؤسسة YouGov البحثية في فبراير/شباط 2024، فإن غالبية سكان الولايات المتحدة لديهم ثقة أكبر بالرئيس السابق دونالد ترامب من الرئيس الحالي جو بايدن في مجال الاقتصاد، إذ إن 26% فقط من الناخبين الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون بايدن سياسياً اقتصادياً قديرا، لكن من ناحية أخرى يتمتع ترامب بنسبة موافقة شعبية تبلغ 47%.
كانت السنوات الثلاث الأولى في عهد دونالد ترامب واعدة اقتصاديا، حيث بلغت معدلات النمو أكثر من 2%. ومع ذلك لا يوجد دليل على "ازدهار" طويل الأمد، كما أفادت "دويتشه فيله" في تقرير منشور لها خلال أبريل/نيسان 2024.
وفقًا للتعريف العلمي، يتميز هذا الانتعاش بـ"زيادة ملحوظة في النشاط الاقتصادي، تتجلى في معدلات نمو عالية، ونسبة استخدام الطاقة مرتفعة بشكل ملحوظ، وزيادة ملحوظة في التوظيف، وارتفاع في البورصة".
لقد بدأ ترامب فترة ولايته الأولى في 20 يناير/كانون الثاني 2017 مع نمو اقتصادي بنسبة 2.4% في عام 2020، تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 2.2% بسبب جائحة كوفيد-19، ولكنه تعافى في الربع الأخير ثم ارتفع بسرعة إلى 5.8%.
في عهد بايدن، لم يكن الاقتصاد "في حالة سقوط حر"، كما ادعى السيناتور الأمريكي تيم سكوت في تغريدة له في مارس/آذار الماضي، لكنه استقر عند نمو يبلغ نحو 2%، ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي 2.1% في عام 2024.
المقارنة تظهر أن الولايات المتحدة لم تشهد انتعاشا اقتصاديا، سواء تحت إدارة ترامب أو بايدن، بل كانت تعاني بدلاً من ذلك من الآثار الاقتصادية الجسيمة لأزمات مثل جائحة كورونا وحرب أوكرانيا.
ووفقا للبيانات الرسمية، بلغ الدين العام في الولايات المتحدة أعلى مستوى له على الإطلاق في حقبة بايدن، وهذا يتوافق مع 124% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ولكن الصحيح أيضاً أن الدين العام ارتفع بقوة أكبر من حيث النسبة المئوية خلال فترة ولاية ترامب مقارنة بعهد بايدن، بين عامي 2017 و2021، ارتفعت الذمم المدينة من 19.84 تريليون دولار إلى 28.13 تريليون دولار، وهذا يمثل زيادة بنسبة 41.62%.
على عكس بيانات "منظمة أمريكيون من أجل الازدهار"، التي تتهم بايدن بـ"الإنفاق المتهور" خلال الحملة الانتخابية، تلقي وزارة الخزانة الأمريكية باللوم على عاملين على وجه الخصوص في التطور: الإنفاق الإضافي بسبب جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، فضلا عن انخفاض الإيرادات الضريبية في نفس الوقت.
ويعود انخفاض الإيرادات الضريبية جزئياً إلى إصلاح الضرائب الذي أدخله ترامب في عام 2018، وهذه حقيقة يتجاهلها أنصاره، لقد أدخلت إصلاحات ترامب الضريبية في عام 2018 خفضا في ضرائب الشركات من متوسط 35 إلى 21%، كما تم تخفيض معدلات ضريبة الدخل، وأيضاً تم تمويل الزيادة في الإنفاق الحكومي عن طريق الديون.
وعلى صعيد التضخم، عندما تولى ترامب منصبه كان المعدل السنوي عند 2.1% وانخفض إلى 1.2% في عام 2020، وخلال جائحة كورونا ارتفع إلى 4.6% في عام 2021، ما يعني أن سبب ارتفاع التضخم هو في الواقع جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، مما تسبب في انفجار أسعار الطاقة، وليس سياسة بايدن الاقتصادية.
ترامب أوضح توجهاته على الصعيد الاقتصادي من خلال طرح "الأجندة 47" (في إشارة إلى أن الرئيس المقبل سيكون الـ47 للولايات المتحدة)، وتتضمن تعزيز الحمائية التجارية من خلال فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، وتعريفة بنسبة 60% على الواردات من الصين، إضافة إلى خفض تكلفة استهلاك الطاقة والكهرباء، والسعي نحو تحقيق استقلال أمريكا في مجال الطاقة، وإلغاء اللوائح التي تعوق إنتاج الطاقة المحلي، والتراجع عن الكثير من مبادرات بايدن بشأن الطاقة النظيفة.
كما تعهد ترامب بتقديم تخفيضات ضريبية للشركات، وإحداث قفزة نوعية في مستوى المعيشة للأمريكيين.
بيد أن الأجندة الاقتصادية لترامب لاقت اعتراضاً واسعاً من قبل الأوساط الاقتصادية الأمريكية، فقد حذر 16 خبيراً اقتصادياً من الحائزين على جائزة "نوبل" من أن الاقتصاد الأمريكي والعالمي سيعاني صعوبات جمة إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسة المقبلة، وتشير دراسة أجرتها وكالة "موديز" إلى أن سياسات ترامب ستؤدي إلى ركود الاقتصاد الأمريكي بحلول منتصف عام 2025.
ستؤدي التعريفات الجمركية التي يعتزم ترامب فرضها إلى رفع التكاليف التي ستتكبدها الشركات الأمريكية، والتي ستقوم بتمريرها بطبيعة الحال إلى المستهلكين، مما سيزيد التضخم بنحو 2.5 نقطة مئوية على مدى عامين مع انخفاض النمو الاقتصادي بنحو نصف نقطة مئوية وفقاً لــ"بلومبيرغ إنتليجنس"، في حين تبدو وكالة "موديز" أكثر تشاؤماً، إذ تتوقع أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى فقدان 2.1 مليون وظيفة، مع انكماش الاقتصاد الأمريكي بنسبة 1.7%.
وترى وكالة "موديز" أيضاً أن التخفيضات الضريبية المقترحة من قبل ترامب سوف تحتاج إلى تخصيص مزيد من الأموال لصالح الإنفاق الرأسمالي، بينما من المحتمل أن تسهم في خلق نحو 450 ألف وظيفة زيادة عن خطة بايدن بحلول عام 2028، لكنها بنهاية المطاف قد تضيف 4.6 تريليون دولار أخرى إلى الدين الأمريكي حتى عام 2034، وقد تؤدي لرفع معدلات التضخم، وهذا من شأنه أن يضطر مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاستمرار تشديد السياسة النقدية.
aXA6IDMuMTI4LjMxLjIyNyA=
جزيرة ام اند امز