سياسة بايدن الصناعية تثير مخاوف أصدقاء أمريكا.. أخطاء تقود للعزلة
تخاطر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بارتكاب أخطاء كبيرة نتيجة مراجعة سياستها الصناعية، الأمر الذي قد يقود للبلاد للعزلة التجارية، وفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وتحت عنوان "تحول بايدن ضد التجارة يجعل من الصعب كسب الأصدقاء" قال التقرير إن السياسة الصناعية الطموحة الجديدة للولايات المتحدة تخاطر برفض نموذج المفاوضات التجارية التي لطالما دعمته واشنطن لعقود، ومن ثم فهي تخاطر بتبني نهج يستبعد معظم العالم.
وبعد مرور ثلاثين شهراً على الولاية الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن، يمكن القول إنه نجح في تنفيذ أكثر ثورة دراماتيكية في السياسة الاقتصادية الأمريكية منذ الثمانينيات التي أعلن خلالها الرئيس رونالد ريغان، أن الحكومة هي المشكلة، وقام بتخفيض الضرائب، وأطلق أكثر مفاوضات التجارة الحرة شمولاً في تاريخ الولايات المتحدة.
ويمكن لبايدن كذلك أن يدعي تحقيق إنجازات تاريخية في إعادة الحكومة إلى الاقتصاد، والعمل مع الكونغرس الأمريكي المنقسم لتمرير تشريع لإعادة بناء البنية التحتية الأمريكية، ودعم الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات، وتحفيز وظائف التصنيع الجديدة في المجتمعات المتخلفة وتسريع مساعي الانتقال إلى الطاقة النظيفة، لكن الإدارة لم تعرف كيف يندمج بقية العالم في ذلك.
ويمكن للدول أن تتنافس على الاستثمار ليس فقط من خلال تقديم قوة عاملة أفضل أو بنية تحتية أكثر كفاءة، ولكن أيضًا من خلال خفض الأجور وخفض الضرائب وإضعاف اللوائح.
وشهدت الدول النامية ارتفاعاً حاداً في حصتها من التصنيع العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أصبحت الصين والمكسيك وفيتنام وبولندا ودول أخرى حيوية لسلاسل التوريد العالمية، وليس من الغريب أن هذه الدول أعجبت في الغالب بالنظام التجاري الذي تبنته واشنطن في الأصل، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "إيبسوس".
معالجة مخاوف الشركاء التجاريين
ويخشى الشركاء التجاريون من الدول أن يتدفق الاستثمار الخاص الآن خارج اقتصاداتها إلى الولايات المتحدة، حيث تطارد الشركات في جميع أنحاء العالم الإعانات والإعفاءات الجديدة الهائلة الخاصة بالاستثمار في الولايات المتحدة.
وتسعى الإدارة إلى تحقيق هدفين، أولهما بناء سلاسل توريد عالمية أكثر مرونة لتقليل الاعتماد على الصين وكذلك جذب الاستثمار ووظائف التصنيع إلى الولايات المتحدة. ولذلك كان وضع سياسة تجارية تتناول تضم كلا الهدفين بعيد المنال حتى الآن.
ولم يساعد خطاب الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي الأسبوع الماضي حول السياسة التجارية الأمريكية من التقليل من المخاوف، حيث قالت "إن جزءا أساسيا من أهدافنا يتمثل في إعادة الولايات المتحدة إلى مسار التجارة الحرة"، وهي المخاوف التي تعززت عند الشركاء التجاريين بشأن مكانهم في النظام الجديد. ومن المتوقع أن يستمر الارتباك بشأن قضية التجارة ما لم يوضح بايدن نفسه النهج الأمريكي الجديد.
وقالت تاي إن على الولايات المتحدة أن تنتهج سياسة تجارية "تنشط الإنتاج في الولايات المتحدة وتعيد العمال إلى المركز لأنهم أساس المرونة". وانتقدت تاي بشدة استراتيجية ريغان للسوق الحرة، حيث قالت "عندما تكون الكفاءة والتكلفة المنخفضة هما الدافعان الوحيدان، فإن ذلك يؤدي إلى خروج الإنتاج خارج حدود الولايات المتحدة". ووصفت ذلك بـالسباق نحو القاع، حيث يكافأ الاستغلال ويتم التخلي عن المعايير العالية من أجل المنافسة والبقاء".
وأضافت "لكن خطة إدارة بايدن البديلة لن تحظى بشعبية في كثير من أنحاء العالم.. فالدول التي ترغب في توسيع نطاق التجارة مع الولايات المتحدة يجب أن تتبنى جميعها معايير عمل وبيئية أعلى بكثير، مثل تلك الواردة في الاتفاقية الجديدة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا".
وتشير تاي إلى أن الاتفاقيات التجارية السابقة قد أخطأت في السماح "بمحتوى هام يأتي من دول ليست حتى أطرافاً في الاتفاقية، وهذا يعني أن هذه القواعد تفيد الدول ذاتها التي استخدمت المنافسة غير العادلة لتصبح مراكز إنتاج".
وتتطلب الاتفاقيات التجارية عادة حد أدنى من محتوى المنتج المتداول، يأتي إنتاجه في البلد أو المنطقة التي تغطيها الصفقة، وذلك لإلغاء التعريفة الجمركية، وينطبق ذلك على الاتفاق بين أمريكا وكندا والمكسيك.
وكان أحد أسباب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، هو أن النقابات العمالية الأمريكية اعترضت على متطلبات المحتوى الأقل بكثير في تلك المعاهدة بشأن السيارات، خوفاً من أن هذا سيفيد الصين إلى حد كبير.
تراجع التجارة الأمريكية
وقامت الولايات المتحدة، في بعض الأحيان، بتقييد التجارة مع الدول التي فشلت بطرق كبيرة في تلبية معايير العمل أو المعايير البيئية، لكنها لم تقترح من قبل أن الدول خارج شبكة الولايات المتحدة لاتفاقيات التجارة الحرة هي "دول حرة".
وإذا تم تطبيق هذا النظام بصرامة، سوف يؤدي ذلك إلي تراجع تجارة الولايات المتحدة مع الدول النامية ومن غير المرجح أن يفي الكثير منها بمعايير التجارة مع أمريكا في أي وقت قريب.
ومن الغريب أن الإدارة لم تبذل أي جهد حتى الآن لتوسيع نموذج اتفاقية التجارة بين أمريكا وكندا والمكسيك ليشمل دول أخرى علي الرغم من اتفاقية التجارة الحرة الحالية بين الولايات المتحدة وست دول من أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، على سبيل المثال، ستكون خياراً واضحاً لإعادة التفاوض.
واتفاقية التجارة الحرة الحالية بين أمريكا الوسطى وجمهورية الدومينيكان بين الولايات المتحدة وست دول من أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، على سبيل المثال، ستكون خيارًا واضحًا لإعادة التفاوض.
وقد يساعد الاتفاق المعزز هذه الدول -رغم ما يسببه من مشاكل سياسية للإدارة كمصدر مستمر للمهاجرين إلى الولايات المتحدة- على أن تصبح وجهات استثمارية أكثر جاذبية فيما تبحث الشركات عن بدائل للصين.
وتتضمن المشاورات الأكثر مرونة التي تقودها واشنطن الآن بشأن الإطار الاقتصادي لمنطقتي الهند والمحيط الهادئ وشراكة الأمريكتين من أجل الازدهار الاقتصادي، بالفعل مناقشات حول معايير العمل والبيئة الأعلى.
ولكن في هذه المفاوضات، رفضت إدارة بايدن جميع الدعوات لزيادة فتح السوق الأمريكية، مما يحد من دوافع هذه الدول إلى الالتزام.
ولا تزال النقابات الأمريكية تعارض بشدة أي إحياء للمفاوضات التجارية التقليدية. لكن كبار المسؤولين الآخرين رسموا رؤية أكثر شمولاً في الأسابيع الأخيرة، ربما لأنهم أدركوا أن موقف بايدن الرافض للتجارة يتعارض بشدة مع محاولات تنشيط التحالفات والشراكات الأمريكية من أجل المنافسة الجيوسياسية.
وسيستمر الارتباك بشأن التجارة ما لم يوضح بايدن نفسه النهج الأمريكي الجديد. لكن من غير المرجح أن يحدث هذا في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حيث إن بايدن مصمم على الحفاظ على الوحدة في الحزب الديمقراطي. وبالتالي تتطلب السياسة الداخلية للولايات المتحدة من الإدارة الحفاظ على الغموض في الوقت الحالي، يمكن إخبار العمال الأمريكيين أن السياسات الصناعية الجديدة تدور حول خدمة مصالحهم، في حين يمكن طمأنة الحلفاء والشركاء التجاريين بشكل غامض بأنهم سيستفيدون أيضا.
لكن المعضلة لا يمكن التخلص منها، كان نموذج التجارة الحرة القديم، رغم كل عيوبه، شاملاً عالمياً، يمكن لمعظم البلدان أن تجد مكاناً في نظام وعد على الأقل (وحقق في الغالب) نمواً أسرع في الداخل منه في الخارج.