مع مرور عشرة أسابيع على توليه الرئاسة في 20 يناير/كانون الثاني 2021، بدأت معالم الاستراتيجية السياسية لبايدن في الظهور.
خاصةً بعد نجاحه في تمرير قانون التحفيز الاقتصادي في الكونجرس بمجلسيْه، وظهوره في أول مؤتمر صحفي له.
تأتي أهمية هذا القانون من أنه تمت الموافقة عليه في مجلس الشيوخ يوم 6 مارس/آذار بأصوات نواب الحزب الديمقراطي فقط، ودون تأييد لأي من ممثلي الحزب الجمهوري والذين اعتبروه مُكلِّفاً للغاية دون أن تكون له أهداف محددة.
وتعود أهميته أيضاً إلى حجم الموارد المالية التي شملها وهي 1.9 تريليون دولار، واتساع دائرة المستفيدين منه من جميع الشرائح والفئات في المجتمع. فقد تضمَّن القانون توفير الموارد لمكافحة الوباء وتوفير اللقاحات وتوزيعها على المستشفيات وأماكن التلقيح، ومنح ملايين الأمريكيين دعماً مالياً مباشراً، وتمديد مدة الإعانات للمتعطلين عن العمل، ومساعدات للولايات والإدارات المحلية في المدن. لذلك، أكد بايدن على ضرورة تعريف الأمريكيين بالفوائد والمكاسب التي حصلوا عليها من هذا القانون، وشارك هو ونائبته في جولات بالمدن الأمريكية لشرح القانون.
ثم جاء أول مؤتمر صحفي له في 25 مارس/آذار الماضي، ليقِّدم صورة جديدة له وهي صورة الرئيس المُمسك بعجلة القيادة، والعارف بتفاصيل التعقيدات السياسية والإدارية المرتبطة بمواجهة التحديات التي تواجه إدارته. فأجاب عن الأسئلة التي وُجِّهت له بوضوح، أحياناً باقتضاب وأحياناً أخرى باستفاضة حسب طبيعة الموضوع، وإن كان قد تلعثم في إجابته عن أحد الأسئلة.
ركز بايدن على الإنجاز الذي تحقق في مجال مكافحة وباء مرض كورونا في عهده، وأعلن عن مضاعفة عدد الأمريكيين الذين سوف يتلقون اللقاح في المئة يوم الأولى له من 100 مليون إلى 200 مليون. وبعدها بأيام، أعلن عن زيادة عدد الصيدليات التي تقوم بتقديم خدمة التلقيح من 14 ألفا إلى 40 ألفا، وأنه سيكون بمقدور أي أمريكي أن يحصل على هذه الخدمة في مكان لا يبعد عن منزله أكثر من خمسة كيلومترات.
كشف بايدن في مؤتمره الصحفي عن رؤيته لمستقبل أمريكا، ولم يتردد في ذكر الأرقام الدالة على تدهور البنية التحتية فيها، فذكر أن أمريكا تشغل المرتبة الثالثة عشرة عالمياً في جودة البنية التحتية مقارنة بالمركز الخامس عام 2002، وأن الصين تنفق على البنية التحتية ثلاثة أمثال ما تنفقه أمريكا.
واستخلص بايدن من ذلك، أن تطوير وإعادة بناء البنية التحتية المادية بما تشمله من طرق وجسور ومطارات ومجار مائية، والبنية التحتية البشرية في مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمي وتقليل التفاوت بين الفئات، أصبح مهمة رئيسية للحفاظ على مكانة أمريكا الاقتصادية والتكنولوجية وأن إدارته سوف تتصدى لهذا التحدي. وهو ما كشف عنه في خطابه الذي ألقاه بمدينة بتسبرج بولاية بنسلفانيا يوم الأربعاء 31 مارس. وإذا كان هدف تطوير البنية التحتية الأمريكية ليس محل خلاف من حيث المبدأ، فإن المشكلة هي كيفية توفير المبالغ اللازمة لتنفيذه وهي 2.2 تريليون دولار، والتي يقترح بايدن أن تكون من خلال زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء، وهو ما سوف يضعه في صراع مباشر مع الحزب الجمهوري.
من الواضح أن بايدن يطرح نفسه كرئيس يحمل رؤية استراتيجية لإعادة بناء مقوِّمات التقدم الأمريكي من اقتصاد وتكنولوجيا وبحث علمي، وأنه يريد نقل هذه الرسالة إلى كل الأمريكيين سواءً كانوا من أنصاره في الحزب الديمقراطي أو أنصار الحزب الجمهوري الذين لم يصوتوا له. وأفصح عن رضاه لما حققه في هذا المجال عندما دعا الصحفيين إلى مراجعة أحدث نتائج استطلاعات الرأي العام.
والحقيقة، أنه محق في هذا الشعور، إذ تبين هذه النتائج أن 72% من الأمريكيين يؤيدون سياسة بايدن في التعامل مع الوباء، ومن الأرجح أن يشجعه ذلك على الاستمرار في هذا الخطاب لتجاوز الانقسامات السياسية الحادة بين أنصار الحزبين.
وترتيباً على ثقة بايدن بما حققه في الأسابيع الأولى من حكمه، فإنه أجاب عن سؤال عن إمكانية إعادة ترشيح نفسه في انتخابات 2024 بأن هذا هو توقعه وخطته، ورفض الانتقادات بأن سياساته أدت إلى أزمة تكدس المهاجرين في مناطق الحدود مع المكسيك، وأنه لا يعتذر عما اتخذه من قرارات يعتبرها احتراماً لمبادئ الكرامة الإنسانية، وحمايةً للأطفال غير المصحوبين بذويهم.
يعرف بايدن أنه ورث مجتمعاً منقسماً سياسياً بشكلٍ حاد بين الحزبين الكبيرين، وأنه توجد انقسامات بداخل كل منهما. وهو من خلال تحركاته يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف: احتواء الجناح التقدمي الذي يقوده بيرني ساندرز داخل الحزب الديمقراطي، واستغلال الانقسامات في الحزب الجمهوري بين ترامب والجناح اليميني المتشدد من ناحية والتيار المعتدل بقيادة ميتش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ من ناحية أخرى، ومخاطبة الناخبين من أنصار الحزب الجمهوري لكسب تعاطفهم مع سياساته.
فهل تنجح رهانات بايدن؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة