يأتي الرئيس جو بايدن إلى الشرق الأوسط بمقاربة مختلفة مع كل دولة سيقوم بزيارتها.
زيارة "بايدن" تأتي في ظل حالة سياسية غير مستقرة في الإقليم وخارجه، وبعيدًا عن شعبيته المنخفضة واستمرار حالة التجاذب داخل الكونجرس حول التعامل مع الأولويات الأمنية والاستراتيجية للإدارة الأمريكية في منطقة جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.
سيحضر الرئيس الأمريكي ليس مستكشفًا سياسة الدول العربية التي سيزورها، وإنما أيضا لمحاولة رسم سياسات أكثر واقعية مع هذه الدول، وكذلك إسرائيل، ومن ثمّ فإن الرهانات التقليدية للسياسة الأمريكية ستتغير، ومن هنا فإن الحديث عن البدائل والسيناريوهات الأمريكية وارد في إطار ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وخارجه.
تجاه الدول العربية، لن يكون الحل تأكيد خِيارات ومعطيات فقط، بل سيكون الحديث عن الأولويات المهمة التي تعمل في اتجاهات عدة، خاصة بالنسبة للجانب الأمريكي، والذي أطلق وعوده للفلسطينيين بتأكيد خيار الدولتين وفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن وفتح القنصلية الأمريكية في شرق القدس، وضخ المساعدات، وغيرها من الوعود التي أطلقها قبل أن تأتي إدارته إلى "البيت الأبيض"، ولم تحققها!
الإدارة الأمريكية تعمل في اتجاه محدد لدعم إسرائيل، التي تعاني داخليا عدم الاستقرار السياسي، لكن الدعم الأمريكي لها مستمر مهما كانت الحكومة التي تدير في تل أبيب.
في المقابل، تحاول الإدارة استمالة السلطة الفلسطينية عبر إطلاق وعود مكررة لا تحمل أي جديد، بالتوازي مع مطالب فلسطينية بأفعال لا أقول تُسكّن المشهد الراهن.
عربيًّا، سيتعامل "بايدن" مع واقع عربي مختلف، فكل دولة عربية من الدول المشاركة في اجتماع الرئيس "بايدن" ستعلن موقفها في قمة لها دلالات رمزية أكثر منها سياسية في المعنى العام، خاصة مع التدخل الأمريكي في الشؤون العربية، وهو أمر مرفوض من كل دولة، ومن ثمّ فإن الأمر ليس مرتبطا بتأكيد مضمون الشراكة، أو منظومة العلاقات العربية-الأمريكية، التي تحتاج إلى مقاربة جديدة لتصويب مسار ما يجري من أحداث وتطورات وسيناريوهات قد ترسم منظومة العلاقات، وهو ما يجب على الإدارة الأمريكية تفهمه حاليا.
لم يبق وقت طويل في عمر هذه الإدارة، التي يقول كثيرون إنها لن تستمر لولاية ثانية بسبب ممارساتها وتقدم سنّ "بايدن"، الذي ما زال يواجَه بإعصار حقيقي من داخل حزبه، وليس من الكونجرس فقط، لذا ستكون القمة العربية-الأمريكية في جدة مليئة بتوجيه الرسائل والخلاصات، نظرًا لطبيعة الموقف العربي في جُملة قضايا مُلحة، بالتوازي مع تأكيد مضمون الشراكة العربية-الأمريكية، ومنها إمكانية الاتجاه لبناء تحالفات أخرى مع قوى مثل الصين وروسيا، والانتقال من الشراكة الراهنة لأولويات مهمة تحددها الدول العربية، كل وفق مصالحه.
القضية الرئيسة التي يجب على إدارة بايدن تفهمها ليست العمل من خلال ترتيبات أمنية عربية شرق أوسطية فقط، بل التنسيق الجاد والمهم لمواجهة التهديدات الإقليمية كافة، وعدم اتباع سياسة المعايير المزدوجة، التي تعمل من خلالها الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتجاه مجمل القضايا العربية، والتي فشلت الولايات المتحدة منذ إدارة الرئيس أوباما حتى الإدارة الراهنة في التعامل مع تطوراتها، أو إيجاد حلول حقيقية عبر تعامل مُنصف، أو تبني مواقف جيدة محايدة وليست منحازة على طول الخط، وبالتالي فإن ما يُطرح أمريكيا مجرد مساعٍ لترتيبات أمنية جماعية يجب أن تتوافق بشأنها الأطراف كافة.
تجدر الإشارة إلى وجود مخاوف أمريكية من وجود تصدع محتمل في العلاقات الأمريكية-الخليجية، وهي ناتجة عن أمرين:
الأول هو احتمال التعاون مع روسيا في النفط، والثاني هو التعاون العسكري الراهن بين السعودية والصين، رغم قيام السعودية بخطوة زيادة 200 ألف برميل يوميّا، وهي زيادة كانت مقررة أصلا في سبتمبر الماضي.
وكخطوة رمزية قد تسهم في تقليل الاعتماد الأوروبي على النفط الروسي، سيطلب "بايدن" من السعودية ودول الخليج العربي تجاوز أوبك+، بالإضافة إلى تأسيس تجمع جديد يضم إسرائيل والهند ودولة الإمارات وأمريكا I2U2، وهو تجمع رباعي جديد يركز على التنسيق الاقتصادي والأمني غرب آسيا.
هذا التجمع يهدف إلى توسيع الشرق الأوسط لـ"مكافحة الإرهاب"، أما في الوقت الراهن، فإن التحدي الأمريكي يكمن في الصين، ويترتب عليه تأسيس تجمعات جديدة فرعية تخدم هذا الهدف من خلال إدماج إسرائيل كطرف فاعل في الإقليم.
المُجمل، أن الولايات المتحدة، وعبر زيارة "بايدن"، ستؤسس تحالفاتٍ ممتدة لمواجهة الصعود الصيني، وسياسة الاحتواء ستكون في مواجهة الصين وروسيا، وسيقوم الشرق الأوسط -والعالم العربي في القلب منه- داخل هذا السياق بدور رئيسي، بحسب الآمال الأمريكية، مع العمل على إعادة إدماج الهند مع الأهداف الأمريكية أيضًا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة