معروف أن أبوظبي عاصمة رسمية لدولة الإمارات، وهي التي غيّرت المشهد في السنوات الأخيرة لتكون واحدة من أبرز مراكز الثقل في الشرق الأوسط ومحطة يمر عليها سنويًّا كبار اللاعبين الدوليين لعقد شراكات وتبادل مصلحة وأخذ مشورة.
اليوم لا بد أن تعرفوا الوجه غير السياسي لهذه العاصمة المهمة، وذلك عبر أهم مفاصل الاقتصاد، وهو السياحة.. فلا مبالغة إن كان أقل وصف يطلق عليها أنها "محل صناعة السياحة الفاخرة".. إليكم التفاصيل، التي مهما اكتملت، تظل ناقصة إلا بتجربة واقعية تعيشونها بأنفسكم:
اعتدت سنويًّا قضاء ليالٍ للاستجمام والترفيه في أبوظبي لأبتعد قليلا عن صخب الحياة وضغوطات العمل، فهناك دائمًا أجد الهدوء صفةً متلازمةً في معظم الأماكن، ومنها بهو الفنادق والمقاهي والمطاعم، ولعل آخرها في محيط قصر الإمارات، حيث تعتريك مشاعر الفخامة في كل التفاصيل والشخوص، وترافق ذلك مع زيارة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والذي يعد محطة رئيسية تُحسب ضمن أبرز الأجندات الثقافية، التي تندرج تحت "السياحة النوعية" وسياحة الأعمال، ويقصده النخبة من الباحثين عن المعرفة، وهو ما ينسجم مع توجهات هذه الإمارة بأن تكون وجهة ثقافية سياحية عالمية تعزز عبره تراثها الثقافي والتاريخي الغني من خلال مجموعة واسعة من البرامج والفعاليات الثقافية والمعارض والمتاحف، ومنها الأيقونة الأبرز متحف اللوفر أبوظبي.
وفي هذا الصدد، أشارت بيانات المجلس العالمي للسياحة والسفر إلى أن الإنفاق على سياحة الأعمال في دولة الإمارات بلغ 6.33 مليار دولار، بما يعادل 23.2 مليار درهم خلال العام الماضي 2021، مُشكّلا ما نسبته 23% من إجمالي الإنفاق السياحي.
بينما النسبة الكبرى كانت للسياحة من أجل الترفيه، وقد بلغ إجمالي الإنفاق فيها من قبل السياح الدوليين والمحليين في دولة الإمارات خلال عام 2021 نحو 100.7 مليار درهم، كما بلغ إسهام قطاعي السياحة والسفر في الإمارات في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2021 ما يعادل 99.1 مليار درهم، بنمو 41.1% مقارنة مع عام 2020.. وذلك رغم التحديات السلبية، التي شهدها القطاع بسبب تأثيرات "كوفيد-19".
واليوم من جديد.. كل شيء يبدو مختلفًا ومخضرًا في هذه المدينة بمجرد أن تدخلها.. هذا بالضبط ما أستشعره عند كل زيارة، وكما يقولون: "ذاكرة الأماكن تستدعي في المخيلة أشخاصًا بعينهم، وروائح وتفاصيل أخرى، وأنا دائمًا ما تستدعي مخيلتي صورة الوالد الراحل مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي راهن على أبوظبي وحوّلها إلى مدينة عصرية آمنة، يقصدها الباحثون عن الاستقرار والعيش والعمل والفرص.
ومن بين كل الذكريات كانت زياراتي الأخيرة في بداية يوليو الجاري مختلفة تمامًا، وشكّلت في ذهني صورة مغايرة وتحديدًا في جزيرة "ياس"، حيث تلقيت دعوة من القائمين عليها لقضاء ثلاث ليالٍ مع عائلتي والتمتع بواجهتها الترفيهية التي لا تختلف في شيء عن أبرز المدن الترفيهية العالمية باستثناء نكْهتها الشرق أوسطية.
بشوارعها والنخل الباسقات.. مدنها الترفيهية الحلم.. والشخصيات الكرتونية في عالم "وارنر براذرز أبوظبي"، أول مدينة ترفيهية مغلقة في العالم تحمل علامة "وارنر براذرز"، والتي طوّرتها شركة "ميرال" بتكلفة بلغت مليار دولار.. و"ياس" ووتر وورلد".. ملاعب الجولف بسهولها الممشوقة.. معالمها الرياضية، التي تمخر الأذن حماسةً بصوت فرامل الفيراري.. وفي المقابل تأسرك تقاطعاتها المائية كنُحُر حسناء تراقبها أعين المانجروف.. وواجهاتها الساحرة التي ترتمي بأحضانها اليخوت والمطاعم الراقية، وهناك يجتمع النقيضان، الليل بهدوئه وصخبه، لتجد نفسك معاصرًا عوالم مختلفة في مكان واحد، عائلي وشبابي، ولا يهم كم تبلغ من العمر، فالكل هنا له نصيب، ولكل مبتغٍ منال!
مَن كان يتوقع أن جزيرة خاوية كهذه تتحول في أربعة عشر عامًا إلى بقعة عالمية آسرة وفاخرة؟!..
باختصار هي جزيرة تفوق الخيال ولا تُصدّق!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة