زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط، وتحديدًا محطة المملكة العربية السعودية، تأتي في توقيت استثنائي، لا يحتمل حديثا عن ملفات سياسية أراها مكررة.
فأوراق "بايدن" في زيارته الأولى للمملكة مكتوبة بحبر النفط وعلى صفحات الحرب الروسية-الأوكرانية، التي طالت محطات تموين الوقود في الولايات المتحدة وألبان الأطفال الأمريكيين، حتى إنها طالت أفكار "بايدن" نفسه، الذي جاء إلى "البيت الأبيض" بأجندة خضراء، لكن عمالقة النفط الأمريكي خرجوا عن نصوصها ونفخ الرئيس في الحريق، الذي دمَّر أجندته حين قرر معاقبة موسكو لدفاعها عن نفسها ضد العقوبات الأوروبية.
"بايدن" جاء محمّلا برزمة طلبات نفطية خالصة، لكنه لم يستعد جيدًا للزيارة الأهم في تاريخ ولايته، إذ سبق الزيارة بتوريط الولايات المتحدة في أزمات متتالية دون حلول استباقية لكل أزمة ودون فتح مخارج طوارئ كما كان يفعل أسلافه "بوش" و"ريجان" أو حتى "ترامب".
جاء "بايدن" إلى السعودية والحقيبة الحقيقية للولايات المتحدة هناك في حوزة جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي "المركزي الأمريكي"، الرجل الذي يواجه أعنف موجة تضخم في تاريخ أمريكا منذ 42 عاما تقريبا، والمتوقع أن يسجل 9.1% خلال يونيو 2022 على أساس سنوي، وهو أكبر ارتفاع سنوي للأسعار منذ 1981.
جاء "بايدن" إلى السعودية وهو يعلم أن المملكة أكبر مستثمري العرب في السندات الأمريكية "أدوات الدين" لأكثر من 40 عامًا كاملة، بإجمالي 115.74 مليار دولار، حتى نهاية أبريل، بواقع 100.39 مليار دولار استثمارات في أدوات الدين الأمريكية طويلة الأجل، و15.35 مليار دولار في قصيرة الأجل، و"باول" أيضًا هو الرجل الأكثر دراية بأهمية هذا الرقم، ويعلم أيضًا -وربما "بايدن"- أن هذا الرقم من الاستثمارات السعودية في سندات وأذون الخزانة، لا يشمل الاستثمارات الأخرى في الأوراق المالية والأصول والنقد في الدولار بالولايات المتحدة.
كل الذي يجب أن يعرفه "بايدن"، بعد خطأ إدارته الجسيم في نبذ دول المنطقة والانسحاب منها، أنه لا طريق أمامه إلا الاعتراف بأن منتجي النفط بقيادة السعودية، وتحديدا في أوبك+، دورهم الحقيقي هو ضبط توازن السوق، وليس رفع الأسعار أو خفضها، وعليه أيضًا أن يدرك أن التغيرات الجيوسياسية المحيطة بكل اقتصادات العالم تحتاج إلى عبقرية إدارة وتقدير موقف.. كذبك الموقف، الذي لن ينساه العالم في 1981، حين تولى رونالد ريجان رئاسة الولايات المتحدة، وكانت الحرب الباردة على أشدّها، ودخل السوفييت أفغانستان، كما واجهت أمريكا أزمة كبرى في إيران "الحليف السابق" الذي احتل سفارته واحتجز مئات من الدبلوماسيين الأمريكيين، لكن "ريجان" الذي أحاط نفسه بمستشارين من أصحاب الرؤى والحنكة، أدرك سريعا أهمية المملكة وثقلها في المنطقة، ولعل رفاق "بايدن" يتعلمون الدرس.
الخلاصة.. لقد أغرقت إدارة "بايدن" سفن تحالفاتها قبل أن تُبحر للحرب الدولية، التي رسمتها ضد الصين وروسيا..
فأهلا بـ"بايدن" في الشرق الأوسط والمملكة.. ونرجو أن يكون مستعدًا بما يكفي لما سيلاقيه ضد مخيلته التقليدية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة