«COP28» وقرار بايدن بوقف تصاريح منشآت الغاز المسال.. ما العلاقة؟
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تعليق التصاريح لمنشآت تصدير الغاز الطبيعي المسال، ما برره البعض بأنه استجابة لضغوط بيئية من أجل الالتزام بقرارات COP28.
في الأسبوع الأخير من يناير/ كانون الثاني، أصدر البيت الأبيض بيانًا بشأن هذا القرار المفاجئ، معلنًا أيضًا عن توقف مؤقت للعقود المعلقة بشأن صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى البلدان غير الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة، حتى تتمكن وزارة الطاقة من تحديث التحليلات الأساسية للتراخيص.
أوضح البيان أن الأساليب الحالية التي تستخدمها وزارة الطاقة لتقييم مشاريع الغاز الطبيعي المسال لا تأخذ في الاعتبار بشكل كافٍ الزيادات المحتملة في التكاليف بالنسبة للمستهلكين والمصنعين الأمريكيين، أو تأثير انبعاثات الغازات الدفيئة، تحديدًا الميثان وتأثيره الكارثي على المناخ، وأن التوقف سيوفر الوقت لدمج هذه الاعتبارات الحاسمة.
تعد الولايات المتحدة أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، ومن المتوقع أن تتضاعف صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بحلول نهاية هذا العقد.
في العام الماضي، ذهب ما يقرب من نصف صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، وذلك لسد الفجوة التي نجمت عن انخفاض صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 60%، بسبب النزاع في أوكرانيا.
رغم أن البيان الأمريكي حاول طمأنة الحلفاء بأنه سيواصل توريد الغاز الطبيعي المسال لهم على المدى القريب، فإن مجموعات الصناعة والجمهوريين أدانوا التوقف المؤقت باعتباره "انتصارًا لروسيا"، وأثاروا مخاوف بشأن تبعات القرار الجديد على الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد بشكل أساسي على الغاز المسال الأمريكي.
في المقابل، أشاد علماء البيئة بقرار بايدن، قائلين إن صادرات الغاز الطبيعي المسال لا تلوث المجتمعات وتزيد من أزمة المناخ فحسب، بل ترفع أيضًا أسعار الطاقة أمام العائلات والشركات الأمريكية.
فيما رحب نشطاء البيئة بالقرار باعتباره خطوة مهمة في مواجهة تغير المناخ، واعتبروه انتصارًا للقرارات النهائية لقمة المناخ COP28، التي تدعو البلدان للتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
- 3 شخصيات عربية بمجلس إدارة صندوق الخسائر والأضرار.. مهمة تاريخية
- النقل والمواصلات والأزياء الصديقة للبيئة.. حل عملي للحفاظ على الكوكب
ما هو الغاز الطبيعي المسال؟ وما أهميته؟
يوجد الغاز الطبيعي في الظروف العادية بحالته الغازية، لكن عندما يُحول للحالة السائلة من خلال معالجته بالتبريد، يطلق عليه "غاز طبيعي مسال".
تعتمد العديد من دول العالم بشكل رئيسي على الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة، وذلك لتشغيل المصانع وتدفئة المنازل والشركات، لكنها تواجه بعض التحديات في نقله عبر أنابيب من مناطق استخراجه إلى أماكن استهلاكه، لأسباب اقتصادية وطبيعية وسياسية.
طوّرت فيما بعد تقنية الغاز المسال، ومن خلالها يتحول الغاز إلى سائل عن طريق تخليصه من بعض الشوائب، وتبريده عند حوالي -162 درجة مئوية، مما يسّهل تخزينه.
يُنقَل بعد ذلك السائل في خزّانات تبريد خاصة على متن ناقلات ضخمة تشبه ناقلات النفط، وعند وصوله للأسواق، يعاد تسخينه لإعادته إلى الحالة الغازية ونقله عبر خطوط الأنابيب إلى شركات التوزيع والمستهلكين الصناعيين ومحطات الطاقة.
غالبًا ما ينتج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة من خلال تقنية تعرف باسم التكسير الهيدروليكي، والتي فتحت الباب أمام إمدادات هائلة تحت الأرض، دفعت البلاد إلى تجاوز أستراليا وقطر لتصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في عام 2023.
ارتفعت صادرات الغاز الأمريكية بشكل حاد بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، واحتفلت إدارة بايدن وقتها بوصول الغاز الأمريكي إلى أوروبا وآسيا كسلاح جيوسياسي رئيسي ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما يسمح لحلفاء الولايات المتحدة باستخدام الغاز دون الاعتماد على روسيا.
ما علاقة COP28؟
واجه بايدن انتقادات شديدة من الجماعات البيئية بسبب التوسع السريع في صادرات الغاز الطبيعي المسال في السنوات الأخيرة، وتأثير ذلك على المناخ، مشككة في تعهد الإدارة الأمريكية الحالية بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز.
بالإضافة إلى ذلك، ناشدت المجتمعات المحلية على طول الساحل الأمريكي، والتي شهدت توسعًا في محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال، بوقف مثل هذه المشاريع.
في 9 يناير/كانون الثاني، ذكرت صحيفة "بوليتيكو" أن مساعدي بايدن يفكرون في مراجعة الأساليب والتقييمات الحالية للصناعة لكبح تصدير الغاز الطبيعي المسال.
قالت الصحيفة إن المراجعة تقودها وزارة الطاقة، التي تدرس وضع تغير المناخ في الاعتبار عند اتخاذ قرار بشأن مشاريع تصدير الغاز في المستقبل، بشكل يلبي المصلحة الوطنية.
ذكرت "بوليتيكو" أن دوافع بايدن لاتخاذ هذا القرار تعود لنتائج مؤتمر COP28 الذي عقد في دبي نهاية عام 2023، بعد ما واجه ضغوطًا متزايدة من المجموعات البيئية للوفاء بما وعدت به الولايات المتحدة، بالانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، في قمة المناخ الأخيرة.
وافقت كل دول العالم تقريبًا على "الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري" في القرار النهائي لمؤتمر المناخ COP28 في دبي عام 2023، وكانت الولايات المتحدة من بين الدول التي تؤيد صياغة أقوى بشأن التخلص من الفحم والنفط والغاز خلال المفاوضات.
كما شارك بايدن في إطلاق التعهد العالمي لغاز الميثان، في قمة المناخ COP26 في عام 2021، ووصف حينها العمل ضد غاز الميثان بأنه "عامل تغيير" رئيسي لمعالجة تغير المناخ.
وفي COP28 أكدت الولايات المتحدة أنها تدعم جهود الرئاسة الإماراتية لتعزيز هذا "الالتزام العالمي" وتوسعه.
قبل صدور القرار بيوم واحد، تكهنت العديد من الصحف الأمريكية بأن إدارة بايدن على وشك إعلان مراجعة للموافقات الخاصة بمحطات تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة، التزامًا بقرارات مؤتمر المناخ COP28.
عقب صدور القرار، وصفت وكالة "أسوشيتد برس" في تغطيتها هذه الخطوة بأنها "حشد للانتخابات الرئاسية المقبلة"، وذكرت أن بايدن قد يكون حريصًا على إرضاء الناخبين المهتمين بالبيئة، والذين يخشون تسبب صادرات الغاز الطبيعي المسال في انبعاثات كارثية محتملة تؤدي إلى تفاقم الاحتباس الحراري.
كما أشارت إلى أن الرئيس الأمريكي الديمقراطي يخشى وصف موقفه بـ"المتناقض"، بعد ما تعهدت إدارته بالالتزام باتفاقية COP28 وخفض الانبعاثات للنصف بحلول عام 2030.
قال بايدن في إعلانه عن التوقف: "إيقاف التصاريح الجديدة المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال يعكس رؤية لحقيقة أزمة المناخ: التهديد الوجودي في عصرنا".
أضاف: “سنستجيب لنداءات الشباب ومجتمعات الخطوط الأمامية الذين يستخدمون أصواتهم للمطالبة باتخاذ إجراءات من أولئك الذين لديهم القدرة على التحرك”.
علق بيل ماكيبين، الناشط المناخي الأمريكي المخضرم، على القرار قائلًا: "بعد التوقيع على "الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري" في قمة COP28 في دبي، يبعث قرار بايدن برسالة دولية مفادها أن أكبر منتج للنفط والغاز في العالم يتخذ الإجراءات اللازمة".
تأثيره على أوروبا والانبعاثات
ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن هذه الخطوة "ستوقف مؤقتًا طلبات التصدير المعلقة من 17 مشروعًا، والتي كانت تنتظر الموافقة لإتمام التصدير قبل صدور القرار".
قالت وزيرة الطاقة الأمريكية جنيفر جرانهولم إن التوقف سيسمح للمسؤولين بتحديث الطريقة التي تحلل بها وزارة الطاقة مقترحات الغاز الطبيعي المسال "لتجنب تراخيص التصدير التي تقلل من توافر الطاقة المحلية لدينا، أو تضعف أمننا أو تقوض اقتصادنا أو تضر بالبيئة".
أضافت أن التوقف لن يكون له تأثير فوري على إمدادات الغاز الأمريكية إلى أوروبا أو آسيا، لأن سبع محطات للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، معظمها في ولايتي لويزيانا وتكساس، تعمل حاليا بالفعل، ومن المتوقع تشغيل ما يصل إلى خمس محطات أخرى في السنوات القليلة المقبلة.
لن يؤثر إجراء بايدن على تلك المشاريع، وفق جرانهولم، لكنه قد يؤخر عشرات أو أكثر من مشاريع الغاز الطبيعي المسال المعلقة أو في مراحل مختلفة من التخطيط.
رفضت جرانهولم تحديد المدة التي سيستمر فيها التوقف، لكنها قالت إن عملية دراسة تأثير مشاريع الغاز الطبيعي المسال المقترحة على البيئة والاقتصاد والأمن القومي، ستستغرق "بضعة أشهر".
تكهنت "فايننشال تايمز" بأن يستمر التوقف المؤقت للموافقات الجديدة على الغاز الطبيعي لما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
قالت إن هذه المشاريع إذا استمرت، فإنها سوف تنتج معًا كميات ضخمة من الانبعاثات، تفوق ما يصدره الاتحاد الأوروبي في عام واحد، لذا سيكون لقرار التعليق تأثيرًا كبيرًا على خفض الانبعاثات الأمريكية .
فيما يتعلق بتأثر الاتحاد الأوروبي، قال مراقبون إن الكتلة من الناحية الفنية، تعد بلدًا غير عضو في اتفاقية التجارة الحرة، مما يعني أن القرار ينطبق عليها.
مع ذلك، قال أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي لصحيفة "فايننشال تايمز" إن المفوضية الأوروبية أُبُلغت بالقرار مسبقًا، وإن الإدارة الأمريكية ستمنح الكتلة استثناء "لحالات الطوارئ المتعلقة بالأمن القومي الفوري".
أضاف المسؤول: "لذلك، لن يكون لهذا التوقف أي آثار قصيرة إلى متوسطة المدى على أمن الإمدادات في الاتحاد الأوروبي.".
aXA6IDE4LjE5MS4yMzcuMjI4IA== جزيرة ام اند امز