اغتيال «البيدجا» والإطاحة بـ«الفار».. تقليم أظافر لـ«تجميل» وجه طرابلس؟
في عالم المليشيات المسلحة، لا صوت يعلو فوق صوت البندقية، فيما تحكم المصالح المتبادلة علاقات الصداقة، فإذا ما زالت تلك المصالح، انقلبت الصداقة إلى العداوة.
وضع كان اغتيال المطلوب دوليا، عبدالرحمن ميلاد، خير مثال عليه، فالمليشياوي المعروف باسم «البيدجا»، قتل أوائل الشهر الجاري، برصاص أطلق على سيارته، في حادث دفع صديقه محمد بحرون، المعروف بـ«الفار»، آمر فرقة الإسناد الأولى التابعة لمديرية أمن الزاوية، إلى تسليم نفسه للنائب العام الليبي، بعد «ثبوت» تورطه.
وأعلن مكتب النائب العام يوم الجمعة، أن «الفار» سلَّم نفسه طوعا للسلطات، وجارٍ التحقيق معه.
وفي بيان النائب العام، اطلعت «العين الإخبارية» على نسخة منه، قالت: «تَسلّمت وحدة شؤون الضبط القضائي، بمكتب النائب العام، يوم الخميس الموافق 5/ 9/ 2024، المبحوث عنه، آمر فرقة الإسناد الأولى، الذي امتثل طوعا؛ فوُجِّه مأمور الضبط القضائي المكلف بسماع أقوال الممتثل؛ وعرض نتائج الاستدلال على سلطة التحقيق».
وكانت العديد من الجهات العسكرية حشدت قواتها للقبض على الفار لتقديمه للنائب العام، كما خرجت مظاهرات عدة مرات في مدينة الزاوية، مطالبةً بالقبض عليه، بعد أن وجهت القبيلة، التي ينتمي لها البيدجا، أصابع الاتهام نحوه (الفار)
تطورات جاءت بعد أيام، من إعلان النيابة العامة الليبية، في بيان، أن التحقيقات توصّلت إلى التعرف على المركبة الآلية والسلاح المستعملين في الحادث، وكذلك حدّدت مشتبهيْن اثنين، أمرت بضبطهما، لكنها لم تعطِ معلومات حول هُويتهما.
أصدقاء الماضي
وتجمع البيدجا والفار علاقات قوية، كونهما من مدينة واحدة، وهو ما عزز صداقتهما، استنادًا إلى الانتماء المناطقي هناك.
لكن ما وطد علاقتهما أكثر، التعاون في العمليات المليشياوية، فالبيدجا كان يقود مليشيات بغرب ليبيا، وهو مُدرج على قوائم المطلوبين والعقوبات لدى المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الأوروبي؛ لقيادته جرائم الاتجار في البشر والتعامل مع المافيات الدولية عموما، ومافيات أوروبا بالخصوص، واتخاذه من نشر الفوضى وسيلة لاستمرار جرائمه وما يجمعه من نفوذ وأموال.
أما الفار، فهو مطلوب للنائب العام في عدة قضايا؛ أبرزها التعاون مع أفراد منتسبين لتنظيم داعش قبل انهياره في مدينة صبراتة، وهو المطلوب رقم 6 في القضية رقم 131 لسنة 2017/إرهاب المنظورة لدى النائب العام.
كما أنه مُتّهم في جرائم أخرى، تخص علاقاته مع قادة شبكة مهرّبي البشر المطلوبين دوليا، مثل البيدجا، وكذلك أحمد الدباشي، الشهير بـ«العمو».
ورغم أنه لم يتخرج في أي كلية عسكرية أو شرطية، حصل الفار على مناصب أمنية في الغرب الليبي، أبرزها إمرة فرقة الإسناد الأولى، ورئاسة البحث الجنائي لمدينة الزاوية
لكن ما دوافع قتل البيدجا؟
يقول المحلل العسكري والأمني الليبي، محمد الترهوني، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن «هناك أطرافا تحاول تصفية حسابات قديمة، عبر تجميل وجه العاصمة، وإزالة كل الكروت المحروقة، لتظهر خالية من المطلوبين دوليا ومن قيادات المليشيات الأكثر خطورة».
وكانت صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية وصفت طريقة اغتيال البيدجا، بأنها «ليست صدفة، بل كانت كمينا على طراز جرائم المافيا (العصابات الشهيرة في إيطاليا)، شارك فيه عناصر كوماندوز، مزوّدين بأسلحة ثقيلة».
ومعتاد في أوساط "المافيا" كذلك تصفية عناصر منتمية لها، إن شكّلت خطرا على البقية.
وأوضح المحلل العسكري، أن أطرافا «تريد إزاحة كل مَن خرج عن سلطانها، ويسعى لأن يطل برأسه عنها، بما في ذلك بارونات تهريب الوقود والاتجار في البشر، ولا تريد أن يتقاسم أحد معها الوليمة الكبيرة، خاصة البيدجا الذي سعى لأن يتحوّل من مهرّب كبير إلى القيام بدور شرطي العاصمة مؤخرا».
وتولّى البيدجا رئاسة معسكر الأكاديمية البحرية الحربية، عقب إطلاق سراحه من الاحتجاز في سجون الحكومة، في غرب ليبيا عام 2021، رغم الاتهامات التي كانت موجهة له بشأن جرائم التهريب، وحمل رتبة عسكرية (رائد).
دموع غير حارة
ورغم الجرائم المنسوبة للبيدجا محليا ودوليا، فقد عبّرت شخصيات ليبية اعتبارية وإخوانية بارزة عن تعازيها في البيدجا، بل نعاه رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وأشاد بدوره في الأكاديمية البحرية، وكذلك فعل رئيس الحكومة منتهية الولاية في طرابلس، عبدالحميد الدبيبة، وعضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي.
ووصف المحلل السياسي الليبي، محمد العقوري، هذه الدموع على البيدجا بـ«غير الحارة، والتي هدفها تهدئة المليشيات الموالية له، في حين أن أصحاب هذه الدموع مستفيدين بشكل كبير من تصفيته، وإن لم يكونوا متورطين فيها».
وأوضح المحلل الليبي، أن «مِن مصلحة جميع الكيانات السياسية في طرابلس أن يتناقص أعداد المطلوبين دوليا وكبار المجرمين فيها، وأن يكون الموجودون من أصحاب الأظافر المقلّمة وقيادات الصف الثاني؛ لتظل العاصمة تحت سيطرة هذه الكيانات».