"300,000 عام من الخوف".. أصل الكون وقصة البشر
أوقات صعبة مر بها كوكب الأرض في السنوات القليلة الماضية من أوبئة وحروب دعت المفكرين والباحثين للتأمل من جديد في نشأة الكون وخلق الإنسان وتطور حياته.
هذه الأمور وغيرها يطرحها الكاتب والدبلوماسي المصري جمال أبوالحسن في كتابه "300,000 عام من الخوف".
الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية في 383 صفحة من القطع المتوسط يستعرض بداية الكون والانفجار الكبير، والتوحيد، مرورا بامتهان الإنسان الصيد ثم الزراعة، وأسباب تكوين المجتمعات وقيام الإمبراطوريات وانهيارها، وأسباب تكون المدن والدول.
ويحمل غلاف الكتاب صورة تخيلية للإنسان البدائي وفي الخلفية مبانٍ شاهقة الارتفاع ولوحات إعلانية مضيئة، بينما في الداخل يتضمن عشر رسائل بريد إلكتروني متبادلة بين الكاتب، الذي يشغل حاليا منصب المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، وابنته ليلى أثناء وجودهما في العزل بسبب الإصابة بفيروس كورونا.
وعن النوع الأدبي الذي يندرج تحته الكتاب، قال أبوالحسن في لقاء تلفزيوني إنه يندرج تحت نوع كتابة "التاريخ الكبير أو التاريخ الجامع وهي طريقة في سرد تاريخ الإنسانية تبدأ منذ لحظة الانفجار الكبير أو لحظة بداية الكون".
يبدأ الكتاب بسؤال من ليلى إلى أبيها في أولى رسائلهما عن علاج جديد للقلق، عن شيء مُسل يرويه لها، ومن هنا تنطلق رحلة الكاتب قائلا لابنته إن "أفضل علاج للقلق هو أن تواجهي أسبابه. جربي هذه المرة أن هاجميه أنت قبل أن يهاجمك!".
ويفتتح أبو الحسن كل رسالة من رسائله العشر باقتباس لأحد الأعلام مثل الإمام علي بن أبي طالب والكاتب المصري نجيب محفوظ والشاعر المصري صلاح جاهين والفيلسوف الإنجليزي إدموند بيرك والجنرال الأمريكي روبرت لي والشاعر الفلسطيني محمود درويش والمؤرخ اليوناني ثيوسيديديس والشاعر الفارسي حافظ الشيرازي والشاعر الإسباني أنطونيو مخادو.
يقول الكاتب في رسالته الأولى إن القلق "وُلد منذ 13.8 مليار سنة.. مع الانفجار الكبير!"، ويعرفه بأنه "شعور بالتوتر والانزعاج بسبب حدث مستقبلي نتائجه غير مؤكدة".
ويرى أبو الحسن أن الكائنات الحية على وجه الأرض بداية من الخلية إلى الإنسان "هدفها النهائي الحصول على طاقة من البيئة المحيطة من أجل البقاء"، مشيرا إلى أن قصة البشر على الأرض هي نضال مستمر للحصول على طاقة أكبر "لفعل أشياء أكثر، وبناء تكوينات أضخم وأكثر تعقيدا".
ويُعرف الكاتب (الشفرة) على أنها "وسيلة للتعبير عن المعلومات في صورة رمزية. هي نظام معين لتخزين المعلومات ونقلها".
ويرى أن "اللغة هي أقوى شفرة اخترعناها"، وأنها "تساعدنا في تحقيق أمرين: التواصل مع بعضنا بعضا لتحقيق العمل الجماعي، والتواصل عبر الأجيال بنقل الخبرة، أي التعلم الجماعي الممتد".
ويتحدث عن "شفرة الجماعة" وكيفية "غرس الشفرة" داخل أفراد المجتمع، مشيرا إلى أن المجتمعات تستخدم مزيجا من "الردع الداخلي وردع الجماعة لكي تفرض ‘شفرتها‘ الخاصة على أعضائها" من خلال المبادئ الأخلاقية والأعراف والقواعد التي تميز بين المسموح والممنوع، وأخرى تتعلق بالملكية، بالإضافة إلى قواعد الأمن.
ويُلمح إلى أن ثقافة الجماعة وطريقة عيشها تمثل هي الأخرى "شفرة" بين أعضائها "يستعصي على الآخرين فهم معانيها سوى بمعايشة الجماعة".
ويقول إن كل جماعة تشعر أنها "مركز الكون" وإن كل مجتمع من المجتمعات "يرى أن شفرته" الخاصة هي "شفرة كونية".
ويتناول الكاتب تحول الإنسان من حياة الترحال بسبب الصيد إلى حياة الاستقرار بسبب الزراعة التي كانت نتيجة لتغير المناخ، واصفا الزراعة بأنها "أم الثورات".
ويرى أبو الحسن أن زيادة عدد البيوت والعائلات أدت إلى ظهور القرية، ثم المدينة، فالدولة، ويخلص إلى أن السبب وراء ظهور المدينة هو تحقيق "فائض من المحاصيل يسمح بأن يعيش قسم من السكان على أنشطة أخرى بخلاف الزراعة".
كما يُرجع سبب قيام الدول إلى أن "القبائل احتاجت إلى التحول حتى لا تبتلعها قبائل أخرى... لأن الدولة تستطيع تكوين قوة مقاتلة أشد ضراوة وفتكا من تلك التي تكونها القبيلة".
وتناول الكاتب شفرتي العد والكتابة، مشيرا إلى أنهما يمثلان "دي.إن.إيه" الحضارة، ويرى أن هاتين الشفرتين إلى جانب التقويمات الفلكية "كانت كلها شفرات استخدمتها المجتمعات الإنسانية في معالجة الفوضى".
كما يتطرق أبو الحسن إلى تدرج التجارة من نظام المقايضة أو التبادل إلى نظام النقود التي "تمثل شفرة عالمية شاملة" تُمكن البشر من التعامل بسهولة مع بعضهم البعض حتى وإن كان لا يعرف أحدهم الأخر معرفة مباشرة.
ويتحدث الكاتب عن الإمبراطوريات والمشاكل التي واجهتها وأنها "عند توسعها عن حد معين، تواجه نفس المشكلات تقريبا، ويكون عليها أن تجد حلولا من أجل التكيف والبقاء".
ويضيف: "أثينا اخترعت السياسة كأداة لإدارة الشؤون العامة. الصين رأت أن الحل في المركزية، مع انتقاء طبقة من الموظفين المدربين تكون وسيطا بين الحاكم والناس (البيروقراطية). روما اخترعت الجمهورية".
ويقارن الكاتب بين أديان التوحيد والإمبراطوريات، مشيرا إلى أن الاثنين يشتركان في نزوعهما للتوسع المستمر ويدلل على النجاح الباهر للأديان التوحيدية إلى بقاء الأديان "مكونا مستمرا في الحضارة البشرية حتى يومنا هذا" وانهيار جميع الإمبراطوريات التي تناولها الكتاب، ويرجع هذا البقاء إلى أن "الكلمة أبقى من السيف".
ويلفت إلى مشكلتين كبيرتين واجهتهما جميع الإمبراطوريات هما كيفية الحفاظ على التواصل بين المركز والهامش وكيفية السيطرة على الهامش دون خلق مراكز مستقلة للسلطة فيه.
aXA6IDMuMTUuNi4xNDAg جزيرة ام اند امز