ستيفان زفايج في ذكراه.. كاتب المثل العليا يموت منتحرا
الكاتب النمساوي الراحل ستيفان زفايج يعد أحد أكثر الكتاب انتشاراً في الوقت الحالي، وتجد أعمالهم رواجاً في أسواق النشر العربي.
احتفى العالم الأدبي والثقافي، الخميس، بذكرى ميلاد الكاتب النمساوي ستيفان زفايج الذي ولد في 28 نوفمبر عام 1881، واستطاع أن يتحول بمسيرته الأدبية إلى كاتب أسطوري، ليس فقط بفضل غزارة إنتاجه، وإنما لطبيعة حياته التي أنهاها بمأساة دافع فيها عن مثله العليا وإيمانه بالسلام.
لم يستقر "زفايج" طوال حياته في مدينة واحدة، أو على نمط كتابة واحد، واختار دائماً الانتقال من نوع أدبي إلى آخر بسهولة كاملة، فيبدو كراقص باليه على مسرح الإبداع، والأهم أنه أنهى حياته منتحراً بطريقة درامية، أبقت سيرته لغزاً بحاجة دائمة إلى إعادة اكتشاف.
ومن اللافت للنظر أن "زفايج" أحد أكثر الكتاب انتشاراً في الوقت الحالي، وتجد أعمالهم رواجاً في أسواق النشر العربي، وتعاد طباعة ترجمات أعماله باستمرار، ما يؤكد أنه كاتب يشع دائماً، كما كان مؤرخو سيرته يصفون حضوره المتجدد.
وفي السنوات الأخيرة توهج "زفايج" من جديد مع ظهور فيلم "وداعاً أوروبا"، الذي تناول مأساة انتحاره، ووصفه كاتب سيرته الأمريكي جورج بروشنيك بـ"الكاتب غزير الإنتاج"، وبـ"الرجل الكيّس والمتأنق"، وبـ"الأليف المكتئب".
واشتهر "زفايج" أولاً بمؤلفه الشهير "بناة العالم"، الذي تناول فيه حياة المشاهير من الأدباء، أمثال: تولستوي وديستوفسكي وبلزاك ورومان رولان، وبفضل هذا الكاتب رسمت الخطوط الأولى في شخصيته ككاتب ومؤرخ لديه ميل واضح لكتابة السير الذاتية، والتقصي وراء المجهول من حياة الأدباء.
وبعد أن مات منتحراً، ظهرت سيرته الذاتية "عالم الأمس"، التي كتبها وكشف فيها ولعه بالتجوال في المدن الأوروبية التي تنقل فيها، والبرازيل التي مات فيها بعد شهور من حصوله على الجنسية البريطانية التي نالها بعد تولي النازيين للسلطة في ألمانيا، ما دفعه ليصف نفسه بـ"يهودي لمجرد المصادفة".
وكان زفايج اضطر لمغادرة النمسا 1934 قبل وصول هتلر والحزب النازي إلى السلطة في ألمانيا، وعاش متنقلاً من فرنسا إلى إنجلترا ثم الولايات المتحدة، قبل أن يصل إلى البرازيل التي كانت مستقره الأخير.
ومن المثير أن انتحاره جاء عقب شعوره بتراجع القيم الأخلاقية التي عادة ما يبذل كبار الكتاب أعمارهم في ترسيخها، ورأى في قراره بالانتحار تصالحاً مع ذاته التي أرّقتها جرائم الحرب العالمية الثانية فشعر بـ"خيبة أمل".
وفي 21 فبراير/شباط 1942، جلس "زفايج" في بيته الفخم، يكتب رسائل وداع لأصدقائه في كل أرجاء العالم، يشرح لهم أسباب انتحاره، ويُقال إنه كتب 192 رسالة وداع، بما في ذلك رسالة إلى زوجته الأولى "فريديريك"، وبعد ذلك دخل ستيفان زفايج ومعه زوجته الثانية "لوت ألتمان"، إلى غرفة النوم وابتلعا في لحظة واحدة العشرات من الأقراص المنومة، وتعانقا بحنان، وطال العناق الذي تحول إلى عناق أبدي.
وزاد من طابعه الرومانسي والمأساوي أيضاً أنه أعطى كلبه جرعة شبيهة ففارق الحياة أمام باب غرفته.
وكتب ستيفان زفايج في رسالة انتحاره: "أن يبدأ المرء كل شيء من جديد بعد عامه الـ60 لهو أمر يتطلب ميزات خاصة، ولقد استنفدت كل قواي بعد سنوات من التجوال بحثاً عن مأوى".
وأضاف في رسالته: "لذلك فإنني أفضل أن أنهي حياتي في الوقت المناسب، وأنا في أحسن حالاتي، كرجل كان العمل الثقافي يمثل دائما ًبالنسبة له مصدر سعادته وحريته الشخصية، وهما أثمن ما يمكن أن يمتلكه الإنسان على هذه الأرض".
وعلى الرغم من هذه الرسالة، إلا أن الكاتب توماس مان اعتبر انتحار أعز الأصدقاء "نوعا من الأنانية"، وكتب لزوجته: "إنه أناني لم يفكر إلا في نفسه عندما انتحر، ألا يعرف أن جميع الكتاب الألمان يعيشون في فقر مدقع وهم يبحثون عن لقمة الخبز؟، فبعد أن شردهم هتلر بوحشيته وهمجيته في جميع أقطار الأرض أصبحوا أذلاء يقفون على أبواب الناس، وأما هو فكان معززاً مكرماً يعيش عيشة الملوك".
وانطوت أعمال زفايج الإبداعية على ولع بالحديث عن عوالم المبدعين، انطلاقاً من صورة متخيلة، ومن رغبة في تشريح النفس البشرية وإبراز غموضها وخفاياها، نتيجة ولعه المفرط بدوستويفسكي، الذي كان كاتبه المفضل.
وفي روايته "رسالة من امرأة مجهولة" يتلقى بطله الذي كان روائياً شهيراً رسالة من امرأة مجهولة، تحكي بجرأة أسرار حياتها، معترفة أنها تحب هذا الكاتب الذي يقع أسيرا للفكرة، وتبدأ رحلة الكشف عن الهوية المجهولة لهذه المرأة.
وفي رواية «فوضى الأحاسيس»، يحكي عن أستاذ جامعي مثل قدوة لطلابه ومصدر فخر للمحيطين به، لكنه يقرر فجأة إظهار سر خطيرٍ من أسرار حياته، التي لا يعلم أحد من تفاصيلها شيئاً، ويكشف عن الرجل الذي كان السبب في تغيير مسار حياته كليةً.
أما في روايته الأخيرة "لاعب الشطرنج"، التي تعد الأشهر عربياً من بين أعماله، ربما لأن ترجمتها الأولى كانت من خلال الكاتب الرائد يحيى حقي، فيناقش فيها فكرة التنافس على الفوز.
وتبدأ الرواية في نيويورك على سطح باخرة تستعد للانطلاق إلى الأرجنتين، وعليها يتعرف اثنان من الأصدقاء على شاب ثري محاط بكل أنواع التبجيل، فيحاول أحدهم استفزازه للعب مباراة شطرنج واحدة.
وعبر الرواية المثيرة، يتابع القارئ بشغف أفكاراً فلسفية عميقة، بشأن انقسام العالم والصراع الذي كان تشهده أوروبا خلال فترة بين الحربين، ولكن بطريقة سلسلة وبسيطة، كعادة ما يكتبه، رغم أن جميع أعماله باستثناء هذه الرواية كانت بعيدة عن التناول السياسي المباشر، الذي كان موضوعاً لكتاب آخر ترجمة فارس يواكيم بعنوان "عنف الديكتاتورية".
واستعاد الكتاب واقعة تاريخية، وانتهى فيها إلى القول بأن «ليس لدى التاريخ وقت ليكون عادلاً. إنه يحصى فقط ببرودة المؤرخين، النجاحات وحدها، ولا يعترف إلا بالمنتصرين ويضع الخاسرين في الظل، لا يرى حرجاً في أن يواري الجنود المجهولين في قبر النسيان، من دون شاهد يمتدح تضحياتهم».
وعدد الكتاب صفات الديكتاتور، وجدد الموقف الأخلاقي الذي اتخذه دائماً، حيث وصف الديكتاتور بأنه "أبعد ما يكون عن روح المصالحة، إنه لا يعرف التسوية، لا يعرف إلا طريقاً واحداً هو طريقه، الكل أو لا شيء، السلطة الكاملة أو لا شيء، لا يقبل حلاً وسطاً، لا يقدر أن يتفهم أو يتخيل وجود شخص آخر بوسعه أن يكون في مستواه، وأن يمتلك الحق ذاته، إنه وحده الذي يعلم، وعلى الآخرين أن يتعلموا منه، كان هذا المهووس بذاته يحنق ويرغي ويزيد إذا تجاسر أحدهم على إبداء رأي مضاد لرأيه".
aXA6IDE4LjIyNy40Ni4xNzUg جزيرة ام اند امز