بلينكن يبدأ أول زيارة للجزائر منذ 22 عاما.. احتواء ناعم أم ورقة ضغط؟
مؤشرات ودلالات تستبطنها زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للجزائر التي وصل إليها في وقت سابق من اليوم في ظل سياق دولي متقلب يفتح الخطوة على أكثر من بُعد.
وفي تصريحات متفرقة لـ"العين الإخبارية"، أوضح خبيران جزائريان أهمية زيارة بلينكن، الأربعاء، للجزائر، والتي يرون أنها تحمل في طياتها "مؤشرات ودلالات" بشأن توقيتها وأهدافها.
- الأولى من أيام مادلين أولبرايت.. "بلينكن" يعتزم زيارة الجزائر
- قبيل زيارة منتظرة لبلينكن.. وفد عسكري روسي بالجزائر
وبحسب الخبيريْن، تأتي الزيارة في سياق الصراع الغربي مع روسيا على خلفية حربها في أوكرانيا، معتبرين أن "الإدارة الأمريكية أدركت أهمية الجزائر في التوازنات الدولية الجديدة"، و"تبحث بالتالي عن لي ذراع موسكو عبر حلفائها التقليديين".
ولم يستبعد الخبيران أن تكون للزيارة أهداف مرتبطة بأزمة الغاز بالدرجة الأولى، مشيرين إلى أن واشنطن تسعى من خلال زيارة بلينكن إلى "احتواء الجزائر أو استدراجها نحو تحقيق توازنات طاقية وسياسية دولية"، لكنهما أكدا في المقابل على أوراق الجزائر "المحايدة والرافضة لأي ضغوط".
وفي تصريحات سابقة، قال نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إن بلينكن "يتوجه إلى الجزائر لعقد اجتماعات مع الرئيس عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمضان العمامرة لمناقشة الأمن والاستقرار الإقليميين، والتعاون التجاري، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك".
وأضاف: "وسيلتقي بممثلي الأعمال الأمريكية في الجزائر لمناقشة تعميق العلاقات الاقتصادية وتعزيز التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والجزائر".
وتعد هذه أول زيارة من نوعها لوزير خارجية أمريكي للجزائر منذ 22 عاما، حيث كانت الدبلوماسية المخضرمة الراحلة مادلين أولبرايت آخر وزير خارجية أمريكي يزور الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2000، وشاركت حينها بمراسم توقيع إثيوبيا وإريتريا على اتفاقية سلام شامل أنهى حربا حدودية بين البلدين.
ومطلع الشهر الحالي، زارت الجزائر نائبة وزير الخارجية الأمريكي، ويندي شيرمان، والتقت مع كبار المسؤولين الجزائريين.
دلالات
في حديث مع "العين الإخبارية"، قدم حسين قادري، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، طرحين لدلالات زيارة بلينكن.
الدلالة الأولى – كما يقول – تكمن في "الأهمية الكبيرة التي تعطيها واشنطن للجزائر كدولة محورية في المنطقة، فالوزير قام بجولة استهلها بإسرائيل وفلسطين والمغرب، والجزائر هي محطة مهمة في جولته".
أما الدلالة الثانية التي أشار إليها الأكاديمي الجزائري، فتشمل "الأخذ بعين الاعتبار الظرف الحالي، وهو الوضع الذي أفرزته الحرب الروسية في أوكرانيا وخاصة فيما يتعلق بأزمة الغاز".
ويرى أن الولايات المتحدة "لازالت تنظر للجزائر على أنها دولة يمكن أن تساهم في رفع الضغط المفروض على تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، وهناك محاولات كثيرة سابقة لإمكانية إقناع الجزائر بضرورة استخدام -ولو استثنائياً- الأنبوب القديم الناقل للغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر الأراضي المغربية".
وتابع قائلا: "لكن الجزائر ردت على ذلك في العديد من المرات، بأن هذا الملف تحكمه اعتبارات سيادية لا يمكن التراجع حولها".
ولفت الخبير إلى أن "الجزائر معروفة بمواقفها المساندة أو على الأقل التي لا تعادي روسيا من منطلق استراتيجي، وأي زيادة جزائرية في إمدادات الغاز يعتبر ضربا لمصداقية روسيا، خاصة وأننا نشهد تحولا كبيرا في المنظومة الدولية".
واستطرد قائلا: "تابعنا منذ أيام تصريحات جادة من الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) تتعلق بضرورة تغيير المنظومة الدولية، وأعلن عدم اعترافه بما تمخض عن الحرب العالمية الثانية باعتبارها تخدم المنظومة الغربية".
وبحسب قادري، فإن "موسكو بحاجة إلى دعم جزائري لهذا الطرح، والجزائر من مصلحتها أن يكون هناك تنوع في الأقطاب".
وجهان للاحتواء
أما المحلل السياسي الدكتور عامر رخيلة، فيتبنى قراءة أخرى، حيث يرى أن زيارة أنتوني بلينكن إلى الجزائر تحمل في طياتها سيناريوهات "سياسة الاحتواء" التي ربطها بالصراع الغربي مع روسيا.
وقال رخيلة، لـ"العين الإخبارية": "من الخطأ القول إن زيارة بلينكن تأتي في سياق تعزيز العلاقات بين البلدين أو في إطار بحث الشأن الأفريقي أو العربي أو تمتين العلاقات الثنائية، زيارة معروفة، أملتها متغيرات تحدث على مستوى العالم الآن والمرتبطة بالأزمة الدائرة في أوكرانيا، الكل يسعى لاستمالة أطراف فاعلة في مختلف مناطق العالم ".
وعن احتمال أن تكون "زيارة ضغط" على الجزائر وفق ما أوردته تقارير إعلامية دولية سابقة، يشير الأكاديمي الجزائري إلى أن تقنيات التعامل الدبلوماسي تبدأ بـ"اللطافة الدبلوماسية".
ووضح ذلك بالقول: "الاستمالة تبدأ دائماً بخطوات تخدم الصراع الراهن بزيادة الضغط فيما يتعلق بإمدادات الغاز لتزويد دول محددة برفعه، وكذلك تحت ذريعة محاربة تضخم الأسعار والندرة في الأسواق الدولية".
وفي اعتقاد المحلل السياسي، فإن زيارة بلينكن "قد تهدف إما لاستدراج الجزائر نحو حلف معين وهو الحلف الغربي الذي بدأ في التشكل، أو لتحييدها".
وأشار إلى ذلك أيضا بالقول: "الاستدراج أو الاحتواء يؤديان إلى نفس النتيجة، وهي أن تكون الجزائر تحت المظلة الغربية، لأن الأمريكيين يدركون جيدا أن الجزائر من بين أهم الدول المحورية في العلاقات الروسية الأفريقية".
أوراق الجزائر
ولفت إلى أن "الجزائر من منطلقات الدبلوماسية في سياستها الخارجية فهي حيادية، لكن الحياد أصبح صعباً في هذه الظروف نتيجة الصراع الدولي، والأمريكيون يدركون الوضعية الاقتصادية بالجزائر، علاوة على أن الأخيرة تملك أوراق ضغط، وقد تكون هناك إغراءات محددة من طرف واشنطن عبر الاستثمارات".
وختم حديثه بالإشارة إلى أن "كل الأنظار تتجه إلى التنافس بين هذين القطبين وبين الفاعلين الرئيسييْن في العلاقات الدولية وهما واشنطن وموسكو، فروسيا تريد استعادة أمجادها واستحداث قاعدة متقدمة في أوروبا، والأمريكيون يريدون التضييق على روسيا في مواقعها التقليدية (روسيا) ومن بينها الجزائر".
aXA6IDUyLjE1LjM3Ljc0IA== جزيرة ام اند امز