"ليلة الدانوب الأزرق" للكاتب الكويتي يوسف المباركي في ثوب الـ"نوفيلا"
على وقع أنغام مقطوعة كلاسيكية لشتراوس تدور أحداث النوفيلا الرومانسية التي تتناول نهاية حياة بطل وبطلة بشكل مأساوي.
صدر للباحث الكويتي يوسف المباركي رواية قصيرة في ثوب "النوفيلا" تحمل عنوان "ليلة الدانوب الأزرق". وتدور أحداثها بين عدد من الأمكنة، الأكثر وضوحا بينها الكويت خلال موسم الشتاء، ولندن خلال موسم الصيف، وتقع بين زمنين الماضي والحاضر.
ويحدث أسلوب تيار الوعي، وهو التيار الأكثر حداثة بين التيارات الأدبية، مزجا بين المستويين مكانيا وزمانيا، فيستعيد الكاتب ملامح أيام جمعته بإنسانة عزيزة عليه، ضمن وسط شبابي، أولته عناية خاصة، من دون أن يستطيع رؤية أفق لهذه العناية.
تحدث هذه الاستعادة برفقة معزوفات فرقة موسيقية في مكان ما غير محدد، وخلال مناجاة ذاتية يبدأها الراوي، ويقطعها أحيانا حديثه مع صديقه، أو تكرار عزف مقطوعة "الدانوب الأزرق" الشهيرة للموسيقار النمساوي شتراوس، بعد أن طلبها صديقه من عازفات الفرقة من غير غاية محددة أيضا، لينكشف خلال السرد أن هذا النهر، الدانوب، معادل موضوعي لمشاعر الراوي، وتردده بين الشك واليقين، فهو يبدو، كما نعرف، رماديا أحيانا، وأزرق صافيا أحيانا أخرى، أو هو معادل للحياة في مستويين، مستوى الماضي ومستوى الحاضر، ولأنه نهر يجري، مثلما تجري نغمات الموسيقى بلا عودة، فإنه يبدو معادلا مؤثرا لإحساسنا بالزوال، نحن وتصرفاتنا وأفكارنا، الحزين منها والمبهج، الأحمق منها والعاقل.
ويكتشف القارئ خيط الأحداث شيئا فشيئا، تماما كما يحدث مع الراوي صاحب الذكرى، فالراوي لا يمتلك يقينا حول حقيقة مشاعره أو مشاعر هذه الإنسانة التي يمنحها اسم "منال" حتى آخر سطر في روايته، ويترك لنفسه ولنا ما نستخلصه من هذه الخاتمة.
"ها نحن بجوار البحر، نلمح بين الأمواج طائرا يصعد أو يهبط، نلمح الشمس خلفه تغرق شيئا فشيئا، هو الغروب مرة بعد مرة، وهو ظل الليل، ظلها وظلي، يمر أليفا رقيقا، يتهامس مع خيال لا نراه».
وحتى هذا الاسم الذي يمنحه لهذه الإنسانة الحبيبة، يبدو قلقا يشف عن مفارقة تشكل بنية النص كله، لأن هذه الإنسانة، بحكم ظروف حياتها الغامضة، وترددها غير المفهوم في البداية بين الكويت ولندن، تظل نائية وبعيدة لا يرجى "نوالها"، جسدا وفكرا، وحتى حين يأتيه خبر وفاتها بعد زمن غاب فيه كل منهما عن الآخر، يأتيه عبر صفحات صحيفة.
aXA6IDMuMTQ5LjI0My44NiA= جزيرة ام اند امز