معرض القاهرة الدولي للكتاب بلا عناوين كبيرة وأدب التشويق يكتسح
الجوائز العربية دفعت الناشرين العرب للتركيز مع نشر الرواية وبالتالي فإن المطلوب جوائز إضافية للعلوم الإنسانية
تنتهي اليوم الدورة 51 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب وسط إقبال جماهيري استثنائي يندر أن يتكرر في أي معرض عربي آخر بحكم الكثافة السكانية في مصر، حيث تجاوز عدد السكان 103 ملايين نسمة في حين بلغ عدد زوار المعرض نحو 3 ملايين وربع المليون زائر، بحسب إعلان رئيس المعرض الدكتور هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب.
وامتدت فترة انعقاد المعرض لعشرة أيام تزامنت وإجازة منتصف العام الدراسي في مصر، وهو ما يفسر زيادة أعداد المتابعين.
وأقيمت فعاليات هذه الدورة للعام الثاني على التوالي بضاحية التجمع الخامس (30 كيلو شرق القاهرة) بمركز مصر للمعارض الدولية وهناك إجماع على أنها واحدة من أكثر دورات المعرض نجاحا فيما يتعلق بالتنظيم بشهادة المتابعين وظلت الملاحظات مرتبطة بالبرنامج الفكري المصحوب للمعرض الذي اتسم بازدحام الفعاليات إلى جانب افتقاره للأسماء الثقافية البارزة عربيا وعالميا
وعلى صعيد اتجاهات نشر الكتب وحركة بيعها طوال أيام المعرض كانت الغلبة للأعمال الإبداعية الموجهة للشباب، ولاحظ الجميع نموا مطردا في نشر كتب الرعب وأدب التشويق على حساب انحسار لافت في نشر الأعمال الفكرية الى جانب ارتفاع مبيعات الأعمال الروائية المترجمة.
وبحسب إسلام وهبان المشرف على مجموعة "نادي القراء المحترفين" على موقع "فيس بوك"، فقد كان هناك اهتمام كبير بترجمة كلاسيكيات الأدب العالمي، وهو اهتمام مبالغ فيه في بعض الأحيان، خصوصا فيما يخص الأدب الروسي، الذي يعاد اكتشافه.
ومما يشير إليه وهبان أن هناك تكرارا في طرح أكثر من ترجمة لأعمال شهيرة قد تكون متوفرة فى الأسواق بترجمات أخرى ربما لأنها أصبحت بلا حقوق ملكية فكرية، وهذا يأتي بالأساس على حساب أعمال لأدباء آخرين قد نكون بحاجة لترجمة أعمالهم ومواكبة تطورات الكتابة في العالم.
ومما يلاحظه وهبان أن هناك تطورا كبيرا في تصميم الأغلفة كسر احتكار عدد من المصممين لأغلب التصميمات في السنوات السابقة إلى جانب محاولة بعض دور النشر لفت انتباه القراء بوضع عناوين جذابة قد تكون بعيدة عن محتوى العمل الأدبي أو إقحام أسماء نجوم الفن في العنوان.
ولاحظ محرر مجموعة "نادي القراء المحترفين" أن هناك استعمالا للفيديوهات كعامل أساسي للترويج لكثير من الأعمال، من خلال عمل برومو خاص لكل عمل، وقد تكون هذه الظاهرة قد بدأت على استحياء منذ عامين تقريبا من خلال رواية موسم "صيد الغزلان" للكاتب الأكثر مبيعا أحمد مراد، لكنها أصبحها شيئا أساسيا لأغلب دور النشر هذا العام، ويوجد أيضا اهتمام من دور النشر بالترويج لأعمالهم من خلال منصات جديدة مثل البوكتيوبرز ونوادي القراء وتقديم تخفيضات وعروض لأعضاء هذه المجموعات.
ورغم أن غالبية جمهور المعرض من الشباب، إلا أن هناك ارتفاعا مبالغا فيه في أسعار الكتب، ووفقا لوهبان فإن دور النشر تقوم خصومات وهمية، ولجأت هذا العام لما يسمى "هابي أور" أو الساعة السعيدة، حيث تقدم خصومات بحدود 40 بالمائة للترويج فمثلا بعض الكتب قبل المعرض كان سعرها ٧٥ جنيها، ولكن خلال المعرض يرتفع سعرها ليصل إلى ٩٠ أو ١٠٠ جنيه ليصبح بعد الخصم ٨٥ جنيها.
وعلى صعيد اتجاهات النشر، لاحظ وهبان أن هناك اهتماما من دور النشر بالأعمال التاريخية ونالت سلسلة مئوية ثورة 1919 إقبالا في دور النشر الخاصة مثل "دار الشروق" أو الحكومية في "هيئة قصور الثقافة"، كما نالت سلسلة الكلاسيكيات الأدبية والتاريخية في الدار المصرية - اللبنانية اهتماما واسعا يحتاج إلى تفسير.
ولاحظت سالي أبوباشا وهي مخرجة أفلام وثائقية أن هناك نموا في حركة النشر تمثل في زيادة عدد دور النشر المشاركة، حيث تعتمد غالبية هذه الدور على إعادة نشر عناوين كلاسيكية قديمة تتاح في عدة طبعات، لأنها بلا حقوق وأصبحت "مشاعا" بين دور النشر.
وتلاحظ أبوباشا كذلك اهتماما بالغا من دور النشر بالرواية، بحكم أنها الفن الأكثر رواجا بفضل الجوائز الأدبية التي تمنح للرواية والتي تضع الإنتاج الروائي عربيا في مجال الاهتمام والترويج، لكن ما تتحفظ عليه أبوباشا هو الإفراط في نشر كتب الرعب، وما يسمى "أدب التشويق" أو الجريمة والخيال العلمي و"أدب الديستوبيا" الذي يحاول التنبؤ الفانتازي بشكل المستقبل.
وتشير إلى أنها لا تزال منحازة للترجمات التي تقدمها دور مثل "المدى" العراقية أو "الساقي" أو "المتوسط"، لأنها تحافظ على اختيار عناوين لها قيمة أدبية رفيعة ولا تجري وراء "موضة" إلى زوال.
وبدوره، يشير الدكتور وائل فاروق أستاذ دراسات الاتصال بجامعة ميلانو الكاثوليكية إلى أن معرض القاهرة أظهر له أن الاهتمام بالكتب التي تتناول قضايا العلوم الإنسانية لا يزال محدودا في مصر، مقارنة بدور النشر العربية مثل دار الساقي أو دار الجمل.
ويقول: "للأسف لا تحظى قضايا العلوم الإنسانية بالاهتمام نفسه من دور النشر ولا من الجمهور ولا من وسائل الإعلام".
ويتابع: "خلال زيارتي للقاهرة لم أسمع عن حفل توقيع لكتاب في التاريخ أو علم الاجتماع أو علم النفس والفلسفة، على الرغم من الأهمية القصوى لهذه العلوم في اللحظة الراهنة، حيث يعيد كل مجتمع اكتشاف هويته وتاريخه، كما يجب عليه بشكل ملح مواجهة قضاياه في عالم يتغير بإيقاع سريع".
ويرى فاروق أن الجوائز العربية التي ظهرت في السنوات الأخيرة دفعت الناشرين العرب للتركيز مع نشر الرواية، وبالتالي فإن المطلوب جوائز إضافية للعلوم الإنسانية تحفز الباحثين العرب على الإنتاج في هذا المجال، وللمساعدة في تسليط الضوء على أسماء جديدة، حيث تفتقر الساحة لأسماء مثل نصر أبوزيد وعبدالله العروي ومحمد عابد الجابري وعبدالفتاح كيلطو، ومن غير المعقول أن "يغرق الجميع في قراءة الرواية ويتجه كل الشباب لقراءة روايات الرعب والتشويق".
ويكشف شادي أصلان من دار الكرمة أن أدب التشويق والإثارة له حصة الأسد في مبيعات الدار بفضل أعمال أحمد خالد توفيق وتامر إبراهيم.
وبدوره يؤكد شريف بكر من دار العربي للنشر أن الأعمال الأكثر مبيعا لدى الدار تندرج غالبيتها في إطار أدب التشويق وأدب الجريمة، وهذا تحول في مزاج القراءة علينا الالتفات إليه.
وتقول نورا رشاد من الدار المصرية - اللبنانية إن مبيعات الدار من الكتب وازنت بين الأعمال الخفيفة والنصوص التي يكتبها كتاب راسخون، مثل عزت القمحاوي وأشرف العشماوي وطارق إمام، ومن لديهم جماهيرية في أدب التشويق مثل عمرو الجندي، أو الأدب الذي يمكن وصفه بالرومانسي مثل أعمال نور عبدالمجيد وكلاسيكيات إحسان عبدالقدوس.
ومن جهتها، تعترف الناشرة فاطمة البودي من دار العين، بأنها باتت مضطرة لنشر أدب التشويق لأن هناك طلبا على هذا النوع من الروايات. وتشير إلى أنها بطبيعة الحال لن تتراجع عن مسارها الذي بدأته في الانحياز للأدب الراقي الذي مكنها من حصد رصيد كبير من ترشيحات الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر).
وتقول البودي: "أرغب في السير في مسار جديد يستثمر الاهتمام الجماهيري بأدب التشويق، وقد باشرت نشر عمل جديد للكاتب يحيى صفوت"، الذي أكد لـ"العين الإخبارية" أن صعود أدب التشويق عربيا أو الرعب هو جزء من ظاهرة عالمية جاء بسبب تعقد المشكلات العالمية، إلى جانب النمو الذي شهدته السينما العالمية في هذا الاتجاه على نحو أوجد طلبا على أدب التشويق الذي يخاطب شريحة عمرية تبدأ من 14 عاما وتكمل ربما لسن الخمسين، وبات التحدي الحقيقي أمام الكتاب إيجاد مساحة للابتكار والتخيل.
aXA6IDMuMTMzLjEzMy4zOSA= جزيرة ام اند امز