"سيد مكاوي صانع البهجة".. مسيرة "مسحراتي الشعب" في كتاب جديد
سيد مكاوي يبدأ مشواره مع الإذاعة بتسجيل دور "مليك الحسن في دولة جمالك" من كلمات الشيخ محمد درويش، ألحان عبده الحامولي
يرصد الكاتب والناقد ماهر زهدي في كتابه "سيد مكاوي صانع البهجة"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب أبرز المحطات في رحلة الفنان الراحل سيد مكاوي، الذي يعد البطل الرئيسي للفنون الرمضانية بفضل ارتباطه بألحان "المسحراتي" التي كتبها الشاعر فؤاد حداد.
ويقول زهدي "مكاوي فنان حفر في الصخر ليصنع تاريخه ولينحت مكانا فسيحا رحبا لنفسه في دنيا النغم، التي كانت تزدان بعمالقة الموسيقى في مصر في القرن العشرين، أمثال سيد درويش وزكريا أحمد ومحمد عبدالوهاب ومحمد القصبجي ورياض السنباطي وبليغ حمدي".
ويضيف زهدي "الفنان الراحل استمد موسيقاه من نغم الحياة ليمتع الناس بموسيقى تعانق تفاصيل حياتهم اليومية، ليكتب اسمه بأحرف من نور في سجل الموسيقى العربية الخالد".
وأضاف "رغم ما ابتلته به الأقدار من كف البصر لكنه كرس حياته ليصنع البهجة للناس، فاستحق عن جدارة لقب (صانع البهجة)، لذا انطلق الراحل يصول ويجول في المسرح الغنائي، ليقدم على مدار سنين عمره مئات الأناشيد الدينية والأغاني من كل الألوان، بداية من الديني، مرورا بالوطني والعاطفي والثوري والكوميدي".
ويوضح الكتاب كيف قدم مكاوي العديد من أغاني الأعمال المسرحية المهمة، مثل "دائرة الطباشير القوقازية، الصفقة، مدرسة المشاغبين، سوق العصر"، ولمسرح العرائس، وتظل درة أعماله وأكثرها جماهيرية "الليلة الكبيرة" إلى جانب، قيراط حرية، الفيل النونو الغلباوي"، وكلها أعمال قدمها بمشاركة صديقه الشاعر صلاح جاهين.
ويشير الكتاب إلى أن المحطة الأولى لنجاح مكاوي تجلت في الموشحات والمدائح النبوية، وغناء "الموالد"، وفيها نهل من التراث مثل ما لم يفعله غيره، باستثناء أستاذيه سيد درويش وزكريا أحمد.
ويضيف "أما المحطة الثانية فكان شريكا فيها وصاغها شاعر رفيق الدرب والفن صلاح جاهين، وهي مرحلة الأوبريت الغنائي التي يتربع على قمتها أوبريت (الليلة الكبيرة) كعمل إذاعي تحول فيما بعد إلى عمل مسرحي ثم تلفزيوني، ويأتي بعده (الرباعيات) التي قدمت من خلال إذاعة صوت العرب في نهاية الستينيات، في شكل حلقات يومية حققت شهرة واسعة".
ويتابع "المحطة الثالثة التي تُعد من أهم المحطات في حياة مكاوي عندما قدم حلقات ديوان (من نور الخيال وصنع الأجيال) ليكون له السبق والريادة في تلحين الدواوين الشعرية الكاملة، وكانت مع الشاعر فؤاد حداد وقدم معه المسحراتي، وهي نصوص شعرية غنائية تسرد جوانب من تاريخ النضال القومي العربي وتستعرض بعض تفاصيل الحياة اليومية في مصر".
ويشرح تلك الحلقات قائلا: "ترصد طريقة أداء الفنانين الجوالين خلال قيامهم بأداء طقوس (السحور الرمضاني) خلال الطواف بشوارع مصر، وكتبها الشاعر بغرض تجاوز آثار هزيمة 1967، وعلى الرغم من أن المسحراتي كان برنامجا إذاعيا ثابتا وقام بتقديم أغانيه عشرات الملحنين الكبار إلا أن الجمهور خلد تجربة مكاوي، واقترنت باسمه واسم رفيقه الشاعر فؤاد حداد وخلد معه أغنيات أخرى منها (مصر دايما مصر، والأرض بتتكلم عربي)".
وعن المحطة الرابعة في مشوار مكاوي يقول "كانت من خلال الإذاعة، حيث كان له السبق في تقديم التتر الغنائي للمسلسلات، لينتقل به فيما بعد إلى التلفزيون والسينما، ويجعله علامة مميزة للأعمال الدرامية العربية".
ويتطرق المؤلف إلى المحطة الخامسة قائلا "كانت من خلال آلاف الألحان التي وضعها عبر رحلته الفنية، وأدهش بها الموسيقيين والنقاد والمهتمين، قبل الجمهور، لدرجة أنهم يعرفون متى وأين وضعها".
وظل سيد مكاوي حتى رحيله يتباهى بمولده ونشأته في حي "عابدين" الملاصق لحي "السيدة زينب"، وما يحيط بهما من مناطق شعبية أصيلة مثل منطقة "الناصرية" التي ولد وعاش صباه فيها، ولم يكن انحيازا ككل الناس المنحازين لمسقط رأسهم، بل لأنه كان يعتقد اعتقادا يصل إلى حد اليقين أنه هو نفسه جزء أصيل من هذا الحي ويشبهه في كل شيء، في شوارعه وحواريه، مبانيه العتيقة المتباينة، ثراء فاحش وفقر مدقع، وتركيبته الاجتماعية المتناقضة، حيث يتجاوز فيه الوزير والخفير، فعلى بعد خطوات من بيت مكاوي، ذلك البيت الفقير المتهالك، يقع قصر "عابدين" قصر الحكم الملكي في مصر والسودان.
ويؤكد زهدي أن سيد مكاوي مثل طه حسين ولد مبصرا لنور الدنيا، وما أن تعلم المشي في الثانية من عمره، وعرفت قدماه طريقهما إلى الشارع، مثل بقية أقرانه، حتى أصيبت عيناه بمرض "الرمد الصديدي"، وعرضه والداه على أهل الخبرة وكان في ذلك الوقت هو محروس المزين وأصبح "المزين" طبيب العيون الذي يعالج سيد مكاوي بمعجون شعبي الصنع، ظنا منه أنه علاج ناجح.
أصبح سيد زبونا دائما لدى الأسطى محروس، يمر عليه يوميا ليصب في عينيه بعض الزيوت ثم يختمهما بمسحوق "الششم" ويضع عليهما رباطا، وبعد 3 أشهر اختفى الاحمرار من عيني سيد، لكن أيضا اختفى النور منهما فأصبح الطفل لا يرى تحت قدميه، وعلى الرغم من أن محروس هو السبب الأول والأخير فإنه أعاد ذلك إلى إهمال والديه.
وكعادات الناس في ذلك الوقت حفظ مكاوي القرآن الكريم، وحصل على شهادة بأنه شيخ معتمد في مسجد الحي، إلى جانب احترافه تلاوة القرآن الكريم، حرص على اقتناء "جرامافون" وعدد قليل من الأسطوانات.
وارتبط سيد مكاوي بالشقيقين محمود وإسماعيل رأفت، وكانا لهما الأثر الأكبر في توجيهه خلال تلك السنوات، حيث استقر طموحه على أن يصبح موسيقيا محترفا.
وسجل مكاوي للإذاعة المصرية دور "مليك الحسن في دولة جمالك" من كلمات الشيخ محمد درويش، ألحان عبده الحامولي من مقام حجاز كارن بصوت سيد مكاوي، وكان أول ما يبث له جماهيريا لتبدأ مسيرته بعدها.