أمجد ناصر.. رحيل شاعر متمرد راهن على تجديد القصيدة العربية
أمجد ناصر يعد أكثر شعراء جيله تمردا واستعدادا للرهان على إمكانية خلق شعرية لقصيدة جديدة تتكئ على السرد وتبرز المفارقة والتفاصيل
بموت الشاعر الأردني أمجد ناصر، الأربعاء، عن 64 عاما تفقد القصيدة العربية أحد أبرز الأصوات الشعرية المجددة، التي استطاعت أن تنتقل بالشعرية العربية إلى أفق مختلف.
ينتمي ناصر، الذي وُلد في عام 1955، تحت اسم يحيى النميري النعيمات، من حيث التقسيمات الأدبية إلى جيل السبعينيات الشعري في العالم العربي، وعندما بدأ نشر أعماله اتّخذ من "أمجد ناصر" اسماً أدبياً له، ليرافق الشعراء الذين تولوا مهمة الانتقال بالقصيدة من شعر التفعيلة إلى قصيدة النثر.
وكان شعراء هذا الجيل يسعون إلى تأكيد وجودهم الأدبي وسط شعراء الموجة الثانية من جيل الستينيات على الصعيد العربي، والذي ضم سعدي يوسف وأمل دنقل ومحمود درويش ومحمد عفيفي مطر ومريد البرغوثي وممدوح عدوان، لكن شعراء السبعينيات من أمثال البحريني قاسم حداد والعراقي سركون بولص والعماني سيف الرحبي والإماراتي حبيب الصايغ والسوري نوري الجراح، والشعراء المصريين حلمي سالم وأحمد طه ومحمد سليمان وحسن طلب وعبدالمنعم رمضان، واللبنانيين عباس بيضون وبسام حجار وبول شاؤول، أرادوا إحداث نقلة نوعية أكبر تأخذ القصيدة بعيدا عن الصخب المرتبط بالموسيقى.
وفي الوقت نفسه تراكمت الشعرية الجديدة فوق المنجز الشعري من خلال جيل شعراء مجلة "شعر" اللبنانية، عند ظهورها عام 1959، والتي بشرت بشعرية جديدة عبر النصوص التي نشرها أدونيس ومحمد الماغوط وأنسي الحاج وشوقي أبوشقراء ووديع سعادة، وقد كان الأخير الأقرب إلى شعرية هؤلاء الشعراء.
وراح هؤلاء الشعراء باتجاه كتابة قصيدة النثر بحثا عن شعرية هشة تفارق النبرة القومية التي رافقت صعود قصيدة التفعيلة في موجتها الأولى، ممثلة في بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وتعمل في الوقت نفسه إلى إعادة اكتشاف تراث شعري تم إهماله تمثل في النصوص الصوفية، أو في البدايات الأولى لشعراء الشعر المنثور خلال النصف الأول من القرن الـ20.
وموضوعيا كان من الضروري إيجاد شعرية هشة تلائم خيبات ما بعد الحرب الأهلية في بيروت، وبدء تسوية الصراع العربي الإسرائيلي والخلل الذي أصاب المقاومة الفلسطينية مع تجذر خلافات فصائلها المختلفة.
وبحكم وجوده في بيروت خلال بداياته الشعرية بدا أن أمجد ناصر أكثر شعراء جيله تمردا واستعدادا للرهان على إمكانية خلق شعرية لقصيدة جديدة تتكئ على السرد وتبرز المفارقة وتستثمر التفاصيل اليومية.
ساعدته لغته الصحفية على أن يكتب ببساطة ورهافة في آن واحد، لتقارب قصيدته مع الجمهور العام دون أن تفقد شعريتها، وهي علاقة ربما يكون أنسي الحاج وحده قد بلغها هو وصلاح عبدالصبور بحكم انغماسهما اليومي في الكتابة الصحفية.
من دون شك تركت نصوص "خواتيم" وافتتاحيات أنسي الحاج لصحيفة "النهار" اللبنانية أثرها في التقنيات التي صاغ منها ناصر لغته الشعرية الناصعة والبسيطة في آن واحد.
ومثل أبناء جيله بدأ ناصر بكتابة شعر التفعيلة في أعماله الأولى "مديح لمقى آخر 1979"، لكنه عندما وصل إلى ديوانه "مرتقى الأنفاس 1997" استقر على اختيار قصيدة النثر كمشروع شعري بلغ نموذجه الأفضل مع "أثر العابر"، حيث استثمر في أفضل ما بلغته قصائد سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر ومحمود درويش في نصوصه المتقدمة، إلى جانب تأثير شعرية أنسي الحاج ووديع سعادة.
وكما يقول الناقد صبحي حديدي، أحد أبرز نقاد أعمال أمجد ناصر في المختارات التي أعدها وقدمها لشعره عام 2008، وصدرت عن دار ممدوح عدوان في سوريا- "نقل أمجد ناصر قصيدة النثر العربية التسعينية إلى منصة تحد شاقة، وعندما نشر ديوانه "حياة كسرد متقطع 2004" سجل منجزا مهما في التخلص من هاجس الشكل في القصيدة العربية المعاصرة بعد أن أنهكها التشابه، وأظهر في مجموعته "سر من رآك" طاقة شعرية خلّاقة في كتابة قصائد أكثر جرأة لكنها تستعيد تألقا وميراثا متنوعا في التعاطي مع كتابة الجسد، لا تفصل الحسي عن الروحي".
وتظهر المختارات الشعرية التي أصدرها قبل أن يتمكن المرض من جسده تحت عنوان "شقائق نعمان الحيرة" مسار شعريته المتدفقة وهاجسها الدائم في مقاومة الركود.
aXA6IDMuMTQ1Ljc4LjExNyA= جزيرة ام اند امز