"شقائق نعمان الحيرة".. مختارات شعرية لأمجد ناصر
غطت المختارات التي تقع في 270 صفحة كل دواوين الشاعر منذ "مديح لمقهى آخر" ومروراً بـ "منذ جلعاد كان يصعد الجبل" وحتى "حياة كسرد متقطع"
تميز النتاج الشعري العربي، منذ قديم العصور، باعتماده على شكلين تقريبا لا ثالث لهما في نشر هذا النتاج؛ الأول هو جمع النتاج الشعري للشاعر الواحد بين دفتي ديوان جامع؛ مثل ديوان المتنبي، وديوان أبي تمام، وديوان البحتري، وديوان ابن الرومي، والبهاء زهير... إلخ. أما الشكل الثاني فكان يتخذ من فكرة "المختارات" القائمة على التمثيل وانتقاء نماذج دالة إما في موضوع شعري بعينه (أفقيا)، وإما لشاعر بذاته (اختيارات رأسية).
في إطار مشروعها الجديد، لإطلاق سلسلة للمختارات الشعرية العربية، صدر عن دار "منشورات المتوسط - ميلانو" باكورة أعمال هذه السلسلة، للشاعر أمجد ناصر بعنوان "شقائق نعمان الحيرة". غطت هذه المختارات جميع دواوين الشاعر الصادرة منذ "مديح لمقهى آخر"، ومروراً بـ "منذ جلعاد كان يصعد الجبل"، و"رعاة العزلة" و"وصول الغرباء"، و"سُرَّ من رآك"، و"مرتقى الأنفاس"، و"كلما رأى علامة"، وحتى "حياة كسرد متقطع". وجاءت في 270 صفحة من القطع الوسط مع مقدمة الشاعر سعدي يوسف لها. ومن مقدمته اقتُطعت كلمة الغلاف:
.."لَكأنّ العقودَ الثلاثةَ التي تمدّدَ عليها شِعرُ أمجد ناصر، هي عقود الامتحان القاسي المديد، إذ جرت مياهٌ كثيرةٌ تحت جسورٍ كثيرة، وانهدمت جسورٌ وقلاعٌ، وزالت ديارٌ، وفُتِحتْ أبوابٌ، وغُلِّقَتْ أخرى...
في هذه العقود، تساوى الغثُّ والسمينُ. والمعرَبُ والمعجَم. والناطقُ بالضادِ وغيرُ الناطق. تساوى محررُ الصفحة والشاعر. الأبيضُ والأسودُ.
وثارتْ عواصفُ كبرى في الفنجان.
"المعاركُ" الشعرية التي حُسِمتْ في أوروبا وأمريكا، منذ قرنَينِ، ثارَ نَقعُها، وخفقتْ بيارقُها عندنا، أمارةً على موقعنا الفعليّ من التاريخ الثقافيّ والشعريّ. لقد كان المشهدُ مؤلماً، ولا يزال.
البابُ الوسيعُ الذي كان بإمكان قصيدة النثر أن تفتحه أمام تطور النصّ الشعريّ العربي، انهدَمَ تحتَ سيلٍ عَرِمٍ منتفاهةِ الـمُسَطَّرِ المجّانيّ، غيرِ ذي العلاقةِ بالحياة وأشيائها، واللغةِ وأفيائِها...
لقد كانت عقوداً للتخلّف العامّ في أمّةٍ تُدفَعُ خارجَ التاريخِ دفعاً.
أين أمجد ناصر من هذا كله؟
أعتقدُ أن الرجل زوى نفسَه عن المشهدِ الفاجع بمجانيةِ الدعوى والمعترَك، وظلَّ يطوِّرُ رؤيتَه وأداتَه، مستقلاًّ بنفسِه، لايرفع بيرقاً، ولا ينضوي تحت بيرقٍ"..
كما اخترنا من القصائد على الغلاف:
إنها أيامُنا
بيَّضنَا صفحةَ الليلِ
وأودعنا شقائقَ نعمان الحَيْرةِ
في سفوحٍ لم نَطَأْها
بخطى كبيرةٍ عبرنَا الأشجارَ
لنحولَ دون يقظةٍ الفجّر
أيامَ الهبوبِ المداريِ للسَّهَرِ
والصعود إلى كمائنَ مغمورةٍ باليودِ.
البحرُ قلدَنا أوسمةً الهيجانِ
والبنادقُ أوحتْ بذكرياتٍ مهجورةِ في المضاجعِ.
أيامُ الولعِ والمهاراتِ
أيامُ الحُمَّى والمواعيد.
غفونا بين أنفاسِ القروياتِ
تاركينَ لأعدائِنا دروباً إلى أكتافِنا.