بوريس جونسون.. "غريب الأطوار" يسقط من "القمة"
رجل سار النجاح معه يد بيد، كصديق وفي لا يفارقه أبدا، لكن دوام الحال من المحال، إذ تفوق "الفشل" أخيرا بـ"الضربة القاضية".
هذه باختصار قصة بوريس جونسون الذي حظي بحياة تعليمية ومهنية ناجحة بشكل لا يصدق، لكنها تحطمت على صخرة سلسلة من الفضائح فجرها "كوفيد" تارة، وسوء الاختيار تارة أخرى.
وأعلن جونسون اليوم الخميس استقالته من حزب المحافظين الذي يتزعمه ما يمهد لمغادرته رئاسة الوزراء فور اختيار خليفته الجديد خلال فترة زمنية غير محددة تتوقف على عدد المرشحين.
يأتي ذلك بعد يومين من الاضطراب في الحكومة البريطانية، وتقديم نحو 44 من الوزراء والمسؤولين الأقل رتبة استقالات متتالية للضغط على جونسون ودفعه للاستقالة.
ولد بوريس جونسون عام 1964 في نيويورك، وانتقل والداه إلى بريطانيا وهو طفل صغير، ويفتخر بأن والده من أصول تركية.
وخلال مرحلة طفولته ومراهقته، حظي جونسون بتعليم جيد للغاية، إذ درس في كلية إيتون كوليج الشهيرة، وأظهر ميلا إلى دراسة اللغة الإنجليزية والأدب. كما درس الآداب القديمة في أوكسفورد، وانتخب رئيسا لاتحاد الطلبة عام 1984.
بوابة الصحافة
ومن الدراسة المرموقة والنشاط المبكر، دس جونسون رأسه فور التخرج في دهاليز العمل الصحفي من بوابة صحيفة التايمز لكنه أقيل لـ"عدم الدقة في نقل التصريحات".
ثم انتقل إلى صحيفة ديلي تلغراف الشهيرة، وأصبح مراسلها للاتحاد الأوروبي، ثم نائبا لمدير التحرير، قبل أن يصبح مديرا لتحرير صحيفة سبيكتيتور، عام 1991.
المسيرة الصحفية الناجحة للغاية، أكسبت جونسون ثقة وشهرة ومنحته مكانة اجتماعية، قبل أن تفتح أمامه باب العمل السياسي على مصراعيه، ليُنتخب عام 2001 نائبا في مجلس العموم (البرلمان)، عن حزب المحافظين.
وأول ارتباط بين صعوده السريع والفضائح المدوية كان في عام 2004، حين اضطر للاستقالة من منصب وزير الدولة المكلف بالفنون، بعد انكشاف علاقته الغرامية مع بترونيلا وايت.
لكنه عاد سريعا إلى الحكومة عام 2005، في منصب وزير للدولة مكلف بالتربية.
وأثبتت أزمة "التايمز" و"بترونيلا وايت" قدرة جونسون الفائقة على الخروج من الأزمات، ما أرجعته هيئة الإذاعة البريطانية إلى "بلاغته وقدرته على اللعب بالكلمات وتغيير المواقف الحرجة والصعبة لصالحه في كل مرة".
القفزة الأكبر
وفي عام 2008، حقق جونسون القفزة الأكبر بحياته، إذ فاز بسباق ساخن وأصبح عمدة لندن في منصب غير معتاد على حزب المحافظين، إذ تتجه المدينة في الأغلب إلى اختيار عمدة من حزب العمال "يسار وسط".
وكان هذا الانتصار بمثابة نقطة فارقة للحزب وجونسون على حد سواء، إذ مثل قبلة حياة للمحافظين وأمل جديد في العودة للسلطة بعد غياب، فيما مثل نقطة انطلاق للسياسي المثير للجدل، وبداية ظهوره كرئيس وزراء محتمل في المستقبل.
وخلال فترة ولايته في لندن عُرف جونسون أيضا بمظهره الملفت للانتباه وبدراجته الهوائية التي تلازمه دائما، إلى حد أنه طرح مشروعا ضخما لتشجيع استعمال الدراجات في لندن، ارتبط باسمه.
ووفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" كان جونسون كثيرا ما يذهب إلى مكتبه على الدراجة الهوائية، رغم أن دراجته سرقت مرات عديدة، ما دفعه لوضع ظاهرة سرقة الدراجات على قمة أجندته السياسية.
صعود سريع
كما اشتهر جونسون بالإثارة والاستعراض في عمله السياسي منذ أن انتخب رئيسا لبلدية لندن، وكان من بين أهم قرارته منع المشروبات الكحولية في وسائل النقل العام.
وأبرز نقاط نجاحه كانت في 2012، عندما لعب دورا كبيرا في نجاح الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012، والتي حرص على أن تكون من أنجح الدورات في تاريخ الألعاب.
وفي الفترة التي تلت ذلك، زادت شهرة جونسون بشكل كبير بعدما تزعم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، توقع مراقبون توليه منصب رئيس الوزراء بعد استقالة ديفيد كاميرون في 2016.
لكن ذلك لم يحدث بعد أن انسحب من الترشح في اللحظة الأخيرة، وتولى عوضا عن ذلك وزارة الخارجية بين عامي 2016 و٢٠١٨، رغم تصريحاته المثيرة للجدل وميله للدعابة.
وكان من الغريب أن تتولى شخصية غريبة الأطوار مثل جونسون وزارة الخارجية التي تحتاج لقدر كبير من الدبلوماسية والاتزان، وحرك هذا الشعور تصريحاته المثيرة للجدل مثل حديثه عن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وقوله إن "أصول الرئيس الأمريكي الكينية جعلته يكره تراث بريطانيا وتاريخها".
أو تشبيهه المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كلينتون "بممرضة سادية تعمل في مصحة للأمراض العقلية".
لكن الرجل نجح في تطويع نفسه مع المنصب الجديد، واستمر فيه حتى عام 2018، قبل أن يستقيل احتجاجا على سياسة رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي حيال الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبخلاف السياسية والصحافة، يملك جونسون مسيرة ككاتب ومؤلف، إذ ألف العديد من الكتب، من بينها كتاب عن حياة رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرتشل، وكتاب عن تاريخ روما، وآخر عن مدينة لندن.
وفي صيف 2019، حقق جونسون ما توقعه مراقبون قبل أعوام، وفاز بزعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء بأصوات لم يحظ بها سياسي محافظ آخر منذ عهد مارجريت تاتشر في الثمانينيات.
ذلك الدخول المدوي إلى رئاسة الوزراء، فتح باب التوقعات على مصراعيه، إذ ذهب محللون إلى بقاء السياسي المثير للجدل على القمة لعقد كامل.
عودة الفضائح
لكن الفضائح عادت لملاحقة جونسون؛ فمنذ نهاية العام الماضي يصارع السياسي اتهامات بـ"الكذب" و"الخداع" إثر استضافة مقر إقامته حفلات صاخبة في وقت كان فيه الشعب يئن تحت إغلاق كامل وقت جائحة كورونا.
وقبل أيام، أقر جونسون أيضا بارتكابه "خطأ" بتعيينه في فبراير/شباط الماضي كريس بينشر في منصب مساعد المسؤول عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين، قبل أن يستقيل الأخير الأسبوع الماضي بعدما اتهم بالتحرش برجلين.
والثلاثاء الماضي، أقرت رئاسة الحكومة بأن جونسون حصل على معلومات رسمية في 2019 حول اتهامات سابقة طالت بينشر، لكنه "نسيها" عندما قرر تعيينه في منصب مساعد المسؤول عن الانضباط البرلماني.
تلك الفضائح فجرت عاصفة معارضة لجونسون داخل حزب المحافظين، انتهت بتقديم عشرات المسؤولين بالحكومة استقالات متتالية خلال اليومين الماضيين، ودفعت السياسي إلى توديع فترة النجاح الساحق، والاستجابة للضغوط عبر الاستقالة من زعامة الحزب الحاكم.
واليوم، عرف جونسون لأول مرة أن طريقا طويلا إلى القمة استغرق 21 عاما، يمكن أن ينتهي فجأة وبضربة قاضية في 48 ساعة.
aXA6IDMuMTUuMTIuOTUg جزيرة ام اند امز