شهدت دورة الألعاب الأولمبية 1988 التي أقيمت في سول عاصمة كوريا الجنوبية تحقيق أحد الرياضيين ميدالية ذهبية تسببت في إنهاء مسيرته الرياضية.
والتقى الملاكم الكوري الجنوبي بارك سي هون مع نظيره الأمريكي روي جونز جونيور، على الميدالية الذهبية لوزن الخفيف المتوسط.
المباراة توقع الكثيرون أن نتيجتها ستكون محسومة مسبقا بفوز الملاكم الأمريكي الواعد، وهو ما بدا جليا خلال أحداث المباراة، التي تفرغ فيها الملاكم الكوري لتلقي اللكمات فقط.
وأشارت تقارير إلى أن جونز وجه لبارك على مدار 3 جولات ما مجموعه 86 لكمة، مقابل تلقي 32 لكمة فقط من منافسه الكوري الجنوبي.
ومع ذلك كان قرار الحكام مفاجئا للجميع، حيث أقروا بفوز بارك سي هون بنتيجة 3-2 على روي جونز، وهو القرار الذي لم يعجب حتى الكوريين أنفسهم الذين اعتبروا أن الموضوع فيه شيء غير طبيعي خارج إطار النزاهة.
وتناقلت روايات عدة أسباب لما أقدم عليه الحكام، حيث أشار أحد التقارير في عام 1997 إلى أنهم ليلة المباراة كانوا يسهرون في أحد الأماكن وتناولوا العشاء والنبيذ مع مسؤولين كوريين، مما كان نتيجته ما حدث، في تلميح إلى أنهم تلقوا رشوة، وهو اتهام تم نفيه في النهاية رغم كل شيء.
بينما أشارت رواية أخرى إلى أن كوريا الجنوبية لا علاقة لها بالأمر، لكنه دخل في إطار المنافسة والحرب الباردة التي كانت قائمة حينها بين ألمانيا الشرقية وأمريكا، من أجل الحصول على أكبر عدد من الميداليات الذهبية.
وكان ذلك النزال في اليوم الأخير من الأولمبياد، الذي انتهى وألمانيا الشرقية متفوقة بميدالية وحيدة على أمريكا، وهي النتيجة التي كان من الممكن أن تتغير لو حصل جونز على الذهبية، التي ذهبت لكوريا الجنوبية، ومثلت إنجازا نادرا لها في اللعبة التي لم تحصل إلا على 3 ذهبيات فيها فقط طوال تاريخا الأولمبي.
ماذا فعل بارك سي هون؟
لم يكن رد فعل الجماهير الأمريكية أو غيرها من ضيوف الألعاب الأولمبية مفاجئا لبارك، الذي كان يدرك في قرارة نفسه أن ذهبيته غير مستحقة، حيث إنه كان يعاني من إصابة في يده اليمنى، وكان يدرك جيدا أنه لم يوجه العدد الكافي من اللكمات الذي كان يمكن أن يمنحه الفوز، مقابل السرعة والقوة التي كان يلعب بها جونز.
لكن ما كان مفاجئا للملاكم الكوري هو رد فعل أبناء بلاده أنفسهم، الذي كانوا غاضبين من فوزه غير المستحق، ويرون فيه تلويثا لاستضافة بلادهم للحدث، ليقرروا وفقا لذلك مقاطعته على منصة التتويج، بل إنهم انهالوا بمداخلات على محطات التلفزيون المحلية يحتجون فيها على أن ميزة الاستضافة ذهبت لأبعد مما ينبغي.
وروى بارك سي هون في تصريحات صحفية بعدها اللحظات التي مرت عليه في ذلك الوقت بالقول: "لم أكن أريد أن أرفع يدي (بعد النزال مع جونز) لكنها ارتفعت، وأصبحت حياتي كئيبة بسبب ذلك.. هناك استياء شديد تراكم بداخلي من وقتها، ومن المحتمل أن أحمله معي لبقية حياتي".
ويتذكر بارك إصابته التي أثرت على أدائه في اللقاء قائلاً: "لقد كنت سريعا جدًا بالنسبة للوزن المتوسط، لكن جونز كان على مستوى مختلف.. الملاكم يعرف فقط ما إذا كان قد فاز بالمباراة أم خسرها.. اعتقدت أنني خسرت لأنني لم أخض معركة تستحق الفوز".
وأضاف: "كان الناس يشيرون إلي بأصابع الاتهام، ويصفونني بالخائن، ويطالبونني بإعادة ميداليتي.. ما زلت أتذكر كيف قام أحد المذيعين بإدراج جميع الفائزين بالميداليات الذهبية في تقرير مباشر وتخطى اسمي.. لقد عانيت من اضطراب القلق الاجتماعي وشعرت بكراهية شديدة تجاه المجتمع".
وواصل: "كل ما فعلته هو الصعود إلى الحلبة وبذل قصارى جهدي للفوز، لكن بعد ذلك كنت أفكر أن بلادي قد تخلت عني"، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام المحلية انتقدت فوزه، مؤكدة أنه كان "بعيد المنال"، ومثل "وصمة عار" و"واقعة مخزية"، مما أجبره على التقاعد واعتزال اللعبة تماما عقب الأولمبياد.
فيلم يوثق الواقعة
تم تحويل تلك الحادثة إلى فيلم فيما بعد تحت اسم "count" يوثق للقصة كلها، وعن ذلك قال بارك: "كان هناك خيار لتحويل الفيلم إلى دراما اجتماعية إذا أردنا أن نذكر تلك الأجزاء، لكني أردت أن يكون الموضوع الأساسي هو حول السنوات العشر التالية، عن الشخص الذي كان عليه أن يتخلى عما يحبه ويجد طريقه إليه مرة أخرى".
وأضاف: "لهذا السبب انتهى الفيلم بالتركيز على قصة النمو المشرقة لبارك الذي كان يبلغ من العمر 23 عاما بعدها، واضطر للاعتزال، ليتجه للعمل مدرسا للتربية الرياضية، ويساعد طلابه على مطاردة أحلامهم".
يذكر أن بارك يعمل الآن مدربا لفريق الملاكمة المحلي الصغير في مدينة سيوجويبو في مقاطعة جزيرة جيجو، ويحلم بأن يخرج من تحت يديه أبطال أولمبيون يتمكنون من صنع المجد في المحافل الدولية.