«حي البرازيل» في رفح.. «نكهة لاتينية» على خط الاندثار
لن يخيل لكثيرين أنه في أقصى جنوب قطاع غزة وتحديدا في رفح، هناك «نكهة لاتينية» مهددة بالقصف والاجتياح وبضياع هويتها تحت أنقاض الحرب.
اسمه "حي البرازيل"، وفي حال قرأت الاسم فإنه لن يخيل إليك أبدا بأن يكون خارج محيطه اللاتيني كما يوحي به، لكن الواقع يقول إنه حي رابض في المدينة جنوبي القطاع الذي يشهد حربا مستمرة منذ أكثر من 7 أشهر.
و"حي البرازيل" ينتظر مثله مثل باقي أحياء رفح، تبعات دق طبول الحرب المحتملة في المدينة، ويمني النفس بهدنة توقف الاجتياح، وتحافظ على ما تبقى من هويته المعمارية والسكانية.
في ما يلي، تستعرض "العين الإخبارية" قصة هذا الحي الذي قفز للواجهة في إطار الحرب بين إسرائيل وحماس.
تسميته تعود إلى مجموعة من الفلسطينيين الذين هاجروا إلى البرازيل في بدايات القرن العشرين بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل.
وبعد سنوات من الاستقرار في البرازيل، عاد بعضهم إلى قطاع غزة واستقروا في منطقة رفح.
وجلب هؤلاء المهاجرون العائدون معهم عادات وتقاليد من البرازيل، ما أضاف طابعًا ثقافيًا فريدًا للحي.
لكن المفارقة هنا هي كيف أن البرازيليين الفلسطينيين كانوا قادرين على مزج ثقافتين مختلفتين في حياتهم اليومية، ما أثرى الحياة الاجتماعية في رفح.
عائلة "البرازيلي"
إحدى العائلات المعروفة التي عاشت في حي البرازيل وارتبط اسمها بالمكان هي عائلة "البرازيلي".
وهذه العائلة كانت قد عاشت لفترة طويلة في البرازيل قبل أن تعود إلى رفح، وأفرادها كانوا يتحدثون اللغة البرتغالية بطلاقة وكانوا يحافظون على روابطهم الثقافية مع البرازيل.
واللافت هو أن أفراد العائلة كانوا يجمعون بين الهوية الفلسطينية والجذور الثقافية البرازيلية، ما خلق تجربة حياة مزدوجة وغنية بالتنوع.
كان للبرازيليين العائدين تأثير كبير على النشاط الاقتصادي والاجتماعي في حي البرازيل، إذ أسس العديد منهم مشاريع تجارية صغيرة، مثل متاجر البقالة والمطاعم التي قدمت أطباقًا تمزج بين المأكولات الفلسطينية والبرازيلية.
وهذا التنوع الغذائي والتجاري جعل الحي مركزًا حيويًا ومكانًا يجذب السكان من المناطق المجاورة، في أنشطة اختزلت تحولا لافتا في خبراتهم ومهاراتهم المكتسبة في البرازيل إلى فرص اقتصادية جديدة في رفح، ما ساعد على تحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين.
رواية أخرى
«النكهات» غير المحلية غالبا ما تفسح المجال لأكثر من قصة لسبر أغوارها، إذ تشير رواية أخرى إلى أن الحي الذي يعتبر أحد 9 أحياء في محافظة رفح، سمي بهذا الاسم، لأنه كان موقعا لقوات الطوارئ الدولية من البرازيل قبل عام 1967، فيما يطلق عليه أيضا اسم "حي النخلة".
وتأسس حي البرازيل، جنوب شرق مدينة رفح قرب الحدود المصرية، في يوليو/تموز 1979.
وبعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في مطلع مارس/آذار 1957، وصلت إلى القطاع قوات الطوارئ الدولية التي تشكلت من عدة دول لأخذ مواقعها في أراضيه، حتى ظن أبناء الشعب الفلسطيني أن القطاع قد تم تدويله.
وبناء على هذه الرؤية، اندلعت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية العارمة، مطالبة بعودة الإدارة المصرية التي عادت بالفعل في مارس/آذار 1957، لتدير شؤون القطاع كما كانت قبل العدوان الثلاثي.
وعلى إثر ذلك، تموضعت معسكرات قوات الطوارئ في المناطق الإستراتيجية الحساسة على طول خط الهدنة، والحدود المصرية الفلسطينية شرق وغرب مدينة رفح، إذ تمركزت كتيبتان إحداها إلى الغرب من رفح مؤلفة من الجنود الكنديين (الكتيبة الكندية)، وأخرى إلى الشرق منها مكونة من الجنود البرازيليين (الكتيبة البرازيلية).
الأولى كانت محاذية للحدود داخل الأراضي المصرية، والثانية بالقرب من الحدود، لكنها داخل الأراضي الفلسطينية في رفح. وقد نعمت حدود رفح في هذه المرحلة من الزمان (1957-1967) بهدوء تام لم تحدث فيه أي اختراقات، وكانت "بوابة رفح" معبراً هادئاً لمرور الفلسطينيين والمصريين دون أي عائق.
وانتعشت على أثر ذلك، المنطقة والقطاع برمته اقتصادياً وعلمياً، إذ توجه الآلاف من أبناء الشعب لاستكمال دراساتهم الجامعية في مصر.
وازداد عدد السكان في رفح حتى بلغ عام 1963 نحو 58452 نسمة منهم 54219 نسمة من اللاجئين.
وبازدياد عدد السكان اللاجئين المطرد، توسعت مساحة الأراضي المعمورة بهم شرق وغرب المدينة، بموازاة للحدود المصرية-الفلسطينية.
التطور العمراني
يعتبر حي البرازيل من الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية في رفح، ويتميز بالتطور العمراني السريع رغم الظروف الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة.
الكثير من منازل الحي بنيت بشكل غير منتظم بسبب التوسع العشوائي والبناء دون تخطيط حضري منظم.
الظروف الاقتصادية
يعاني الحي من ظروف اقتصادية صعبة بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، ما يؤثر على مستوى المعيشة للسكان، إذ إن العديد من سكان الحي يعتمدون على المساعدات الإنسانية والعمل في الوظائف المتاحة محليًا أو في المشاريع الصغيرة.
الأوضاع الأمنية
نظرًا لقرب الحي من الحدود، فإنه يتعرض بين الحين والآخر لتوترات أمنية ومشاكل مرتبطة بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. كما كانت تنتشر الأنفاق الحدودية المستخدمة في التهريب بين مصر وغزة، في المنطقة، ما أثر على استقرار الحي.